ابک فانک علی حق

اشارة

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2011: 1120

الرقم الدولی: 9789933489007

البلداوی، وسام، 1974 -  م.

ابکِ فإنک علی حق: بحث استدلالی لإثبات مشروعیة البکاء علی سید الشهداء علیه السلام / تألیف وسام البلداوی؛ الطبعة منقحة. __ کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة والثقافیة، 1433ق. = 2012م.

120 ص. _____ (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة؛ 61).

المصادر : ص. 109 ___ 114؛ وکذلک فی الحاشیة.

1. الحسین بن (ع)، الإمام الثالث، 4 -61ق. – البکاء – دراسة وتحقیق. 2. البکاء – من الناحیة المذهبیة – الإسلام – أحادیث. 3. عاشوراء – شعائر ومراسیم مذهبیة. 4.البکاء (الحزن) – شبهات وردود. ألف. العنوان.

8 ب  808 ب / 3 / 260  BP

تمت الفهرسة فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة قبل النشر

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

ابکِ فإنک علی حق: بحث استدلالی لإثبات مشروعیة البکاء علی سید الشهداء علیه السلام

تألیف

الشیخ وسام البلداوی

الطبعة الثانیة

إصدار

 وحدة الدراسات التخصیصة فی الامام الحسین صلوات الله وسلامه علیه

 فی قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

 فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الثانیة

1433ه_ ___ 2012م

العراق: کربلاء المقدسة ___ العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة __ هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 5

مقدمة المؤلف

لا یخفی علی القارئ أن القضیة الحسینیة سواء بجوهرها أو بتفاصیلها وجزئیاتها تعرضت ومنذ السنین الأولی للثورة إلی محاولات عدیدة من أجل تشویهها تارة، و تشویشها تارة ثانیة، والتشکیک فی أهدافها وغایاتها تارة ثالثة.

وقد استمرت هذه المحاولات تتری سنة بعد سنة وجیلاً بعد جیل، کلما تجدد الزمان تجددت تلک المحاولات وتغیرت أسالیبها.

ولکن هؤلاء المتصیدین فی الماء العکر لما عجزوا عن المسّ والحط من شخصیة قائد ثورة الطف الحسین بن علی علیهما السلام، ولما استعصی علیهم التشکیک بأهداف تلک النهضة العظیمة، مع محاولاتهم العدیدة لتحقیق هذه الغایات الدنیئة، والتی تحطمت کلها علی صخرة عظمة الحسین علیه السلام. وبعد العجز عن النیل من شخص الحسین علیه السلام عمدوا إلی التشکیک بالشعائر التی أفرزتها ثورة الحسین علیه

ص: 6

السلام وأسالیب إقامة العزاء الحسینی، ومن هذه التشکیکات، تشکیکهم بمراسم العزاء الحسینی عموماً، وبالبکاء والحزن علی وجه الخصوص، ورمی تلک الطقوس المذهبیة والإسلامیة بالجاهلیة تارة، وبالبدعة تارة ثانیة، وبالتخلف وعدم مواکبة العصر تارة ثالثة.

ونحن هنا نقوم بمحاولة للدفاع والفهم الجاد لظاهرة الحزن والبکاء التی کثر التهریج حولها من قبل بعض التیارات والمذاهب الإسلامیة وحتی العلمانیة، لنبین جذورها التاریخیة وأدلتها الشرعیة و العقلائیة، لیتضح لدی أصحاب العقول المنصفة مقدار المؤامرة وحجمها التی حاکها أعداء الإسلام من أجل تشویه الثورة الحسینیة العظیمة عن طریق النیل من مراسیمها.

وسنعتمد فی بحثنا عن ظاهرة الحزن والبکاء علی سید الشهداء علیه السلام، علی مصادر المسلمین من غیر الإمامیة(1) لثلاثة اعتبارات:

الاعتبار الأول: هو أن مسألة الحزن والبکاء علی سید الشهداء علیه السلام فی الفکر الشیعی الإمامی مسألة محلولة، والنصوص عندهم متواترة علی استحباب الحزن والبکاء وإجراء الدمع علی الخدود حزناً علی ما جری علی سید الشهداء علیه السلام فی کربلاء.


1- فی بعض الأحیان اعتمدنا علی مصادر الإمامیة من باب التأیید للمطلب العلمی الذی نذکره فی طیات البحث، لا من باب الاکتفاء به کمصدر وحید.

ص: 7

الاعتبار الثانی: هو من أجل تعریف القاصی والدانی من الباحثین والقراء أن مسألة الحزن والبکاء هی مسألة إسلامیة قبل أن تکون مذهبیة، بل هی مسألة إنسانیة قبل أن تکون إسلامیة.

 الاعتبار الثالث: هو من باب زیادة الحجة، وإلزام الآخرین بما ألزموا به أنفسهم، علی اعتبار أن أغلب الذین اعترضوا وتضایقوا من مسألة الحزن والبکاء هم من المذاهب الإسلامیة الأخری، فیکون البحث من خلال مصادرهم ألزم للحجة لهم وأبلغ فی الاستدلال علیهم.

وقد جاءت هذه الرسالة لا لتکرار الکلام فی هذا الموضوع بل لتسهیل وصولها إلی الکثیرین الذین لم یتسن لهم تحصیل ما کتب عنه، ولتوسیع مساحة قراءته لدی أبناء الأمة الإسلامیة.

ص: 8

ص: 9

الحزن غریزة خلقها الله وأمر بتهذیبها

ص: 10

ص: 11

لما خلق الله سبحانه وتعالی الإنسان، أودع فی ترکیبة خلقته الآدمیة مجموعة من الغرائز والطباع(1) التی تسهم بمجموعها فیما لو کرست


1- نشأت کلمة الغریزة من معنی الغرز وهو دخول شیء فی شیء آخر، بصورة کاملة وراسخة کمثل غرز المسمار فی الجدار، وتعنی هذه الکلمة القوی الراسخة فی طبیعة الإنسان رسوخا لا یمکن انفصالها عنها. وکلمة الغریزة تساوی لفظ الطبیعة، والفطرة، والسجیة، قال صاحب لسان المیزان (ج2، ص232 مادة طبع): «الطبع السجیة التی جبل علیها الإنسان... والطبع والطبیعة والخلیقة والسجیة التی جبل علیها الإنسان بمعنی واحد... وطبعه الله علی الأمر یطبعه طبعاً فطره». ولا یخفی أن الحزن وبناءً علی ما تقدم یمکن أن یکون غریزة لأنه داخل وراسخ فی طبیعة الإنسان رسوخاً لا یمکن انفصاله عنها، وهو کذلک طبع وفطرة وسجیة لان هذه الألفاظ کلها لمعنی واحد تقریباً. من هنا نری أن الأحادیث الشریفة وکلمات العلماء استعملت معنی الغریزة علی مصادیق شتی کقول الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم: «وأعلم أن الجبن والحرص غریزة یجمعهما سوء الظن» راجع الوسائل: ح12، ص46، الباب 26 من أبواب أحکام العشرة الحدیث الأول. وقال السید محمد سعید الحکیم وهو یتکلم عن الغناء ما یلی: «فإذا کان الاستماع بهدف إشباع غریزة حب اللهو والبطالة کان حراماً...» راجع حواریات فقهیة: ص335. حتی إن بعض العلماء عدّ العقل من الأمور الغریزیة فقال وهو یصف العقل بقوله: «هو غریزة یتبعها العلم بالضروریات عند سلامة الآلات». راجع مغنی المحتاج: ج1، ص 33 لمحمد الشربینی ولا یخفی أن عدّ العقل غریزة هو باعتبار کونه داخلاً وراسخاً فی ترکیبة الإنسان رسوخاً لا یمکن انفصاله عنها. وقال هارتمن (1842 - 1906): «الغریزة... هی ما یأتیه الفرد من نشاط خالص نابع من صمیم طبیعته ومن صلب تکوینه»، موسوعة علم النفس الشاملة: ج4 ص55.

ص: 12

تکریساً إیجابیاً فی تکامل الإنسان ورقیه.

وکان من بین هذه الطبائع والغرائز غریزة الحزن والبکاء. فالإنسان موجود بکیفیة یستجیب معها لمختلف مؤثرات البیئة، بأفعال وحرکات وحتی إفرازات فی بعض الغدد الموجودة داخل الجسم بحسب ما یقتضیه الظرف المحیط بالإنسان فی لحظات الانفعال مع المحیط الخارجی، فنراه یقبض یده مثلا عند ملامسة شیء ساخن، وحینما یمر بظروف تفرحه وتسره فانه یعبر عن ذلک الفرح وهذا السرور بالابتسامة تارة و الضحک تارة أخری، وکذلک یغضب عندما یمر بظروف لا تلائم طبعه وتخرجه عن حالة الارتیاح فیغضب معبرا عن حالة غضبه بالصراخ أو الضرب وغیر ذلک، کما انه یحزن حینما یشعر بخسارة فی مال أو ولد، فیعبر عن هذا الحزن بدموع تجری علی خدیه وزفرات وآهات تملأ قلبه.

ص: 13

إذن فالحزن وما ینتج عنه من البکاء طبع من عشرات الطباع التی غرزت وأودعت فی فطرة الإنسان، یوم خلقه الله سبحانه وتعالی فی أحسن تقویم، قال تعالی: (( وَأَنَّ إِلَی رَبِّکَ الْمُنْتَهَی (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَکَ وَأَبْکَی ))(1) عن ابن عباس قال: «إن الله هو أضحک وأبکی أی خلق فی الإنسان الضحک والبکاء»(2).

والدین الإسلامی الخاتم، قد رفع شعاراً علی لسان نبیه الکریم صلی الله علیه وآله وسلم، أوضحه بقوله: «إنما بعثت لأتمم مکارم الأخلاق»(3). وتجسیدا لهذا الشعار، وانطلاقاً من مفهومه أمر الله سبحانه الناس بتهذیب أخلاقهم، وبمعنی آخر أمرهم بتهذیب تلک الغرائز والطباع المودعة فی فطرتهم، وجعلها تعیش حالة الوسطیة والاعتدال بین حالتی الإفراط والتفریط وهذا ما یمکن استکشافه من کثیر من الروایات الشریفة والآیات نظیر ما روی عن بعض الصحابة انه قال: لا آکل اللحم، وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام علی فراش، فبلغ ذلک النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال: «ما بال أقوام یقول أحدهم کذا وکذا، لکنی أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآکل اللحم وأتزوج


1- سورة النجم، الآیة: 42، 43.
2- فتح الباری لابن حجر: ج 10، ص 63.
3- السنن الکبری للبیهقی: ج 10، ص 192.

ص: 14

النساء فمن رغب عن سنتی فلیس منی...»(1)، فنزلت علی أثر هذه الحادثة وغیرها من الحوادث قوله تعالی: ((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَیِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَکُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ))(2) وفیها أمر واضح بأن یکون منهج الإنسان عدم المبالغة فی التضییق بحیث یصل إلی مرتبة تحریم المباحات، وعدم الإسراف بحیث یتعدی إلی المحظورات والمحرمات، ومثله قوله تعالی: ((وَالَّذِینَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ یُسْرِفُوا وَلَمْ یَقْتُرُوا وَکَانَ بَیْنَ ذَلِکَ قَوَامًا))(3) وبالجملة فإن الإسلام معروف بأنه دین الوسطیة وهذه الأمة المرحومة هی أمة الوسط بین رذیلتی الإفراط والتفریط قال تعالی: ((وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ وَیَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیدًا...))(4).

والحزن وآثاره من البکاء شأنه شأن تلک الغرائز والطباع التی أمر الله سبحانه وتعالی الإنسان بتهذیبها، فالحزن نعمة من نعم الله سبحانه وتعالی، وله التأثیر الکبیر والفاعل فی رقی الإنسان وتکامله(5)، وقد أخطأ


1- تفسیر ابن کثیر: ج 2، ص 90.
2- سورة المائدة، الآیة: 87.
3- سورة الفرقان، الآیة 67.
4- سورة البقرة، الآیة 143.
5- سیأتی الکلام حول تأثیر الحزن والبکاء فی تکامل الإنسان علی المستوی المادی والمعنوی.

ص: 15

أولئک الذین ظنوا أن قتل غریزة الحزن وإخماد آثارها کالبکاء یسبب للإنسان الکمال، غافلین عن أن الله سبحانه وتعالی ما خلق لنا هذه الغریزة ولا أعطانا هذه النعمة، لنمیتها ونخمد صوتها داخل النفس الإنسانیة بل ندبنا لبثها والتعبیر عنها، وکذلک أخطأ أولئک المفرطون فی الحزن، الذین صار حزنهم ودموعهم باباً إلی الجزع والاعتراض علی مقادیر الله سبحانه وتعالی وقضائه.

وأبلغ کلمة قیلت لتبیان الحد الوسط بین الإفراط والتفریط فی مسألة الحزن، هی ما جاءت علی لسان النبی الکریم صلی الله علیه وآله وسلم یوم مات ولده إبراهیم حیث قال: «تدمع العین ویحزن القلب ولا نقول إلا ما یرضی الرب»(1).

إذن فتحصل مما سبق أن الحزن وآثاره من رقة القلب وبکاء العین، هو نعمة خلقها الله سبحانه وتعالی وأودعها فی صمیم ترکیبة الإنسان، وأمره بتهذیبها والخروج بها من حالتی الإفراط والتفریط، لیصل من خلال هذه النعمة إلی کماله ورقیه.


1- صحیح مسلم: ج 7، ص 76، الناشر دار الفکر - بیروت.

ص: 16

ص: 17

البکاء وآثاره الروحیة والبدنیة

اشارة

ص: 18

ص: 19

ما من شیء خلقه الله سبحانه وتعالی وأودعه فی ترکیبة الإنسان إلا وکان علی وفق أعلی مستویات الحکمة والمصلحة لأن الله جل وعلی حکیم لا یوجد ما هو عبث وغیر ضروری، وهو مصداق قوله تعالی: ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِی أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ))(1)، ومن هنا نستطیع أن نقول بأن الحزن والبکاء لما کان موجوداً ومخلوقاً لله سبحانه لا بد أن یکون لمصلحة وحکمة وإن کانت هذه الحکمة والمصلحة والفائدة خافیة علی کثیر من الناس، وقد صرحت النصوص الشرعیة والأبحاث العلمیة الحدیثة علی أن للحزن والبکاء فوائد لا تحصی ولعظیم فائدة البکاء نراه قد صاحب جمیع مراحل الحیاة منذ أول یوم یوجد فیه الإنسان علی سطح هذه المعمورة، إلی ساعاته الأخیرة فی الحیاة.

وسنستعرض للقارئ الکریم بعض تلک الفوائد العلمیة والشرعیة بما یتناسب وحجم بحثنا هذا:


1- سورة التین، الآیة: 4.

ص: 20

أولاً: فوائد الحزن والبکاء المعنویة

اشارة

من بدیهیات الفکر الإسلامی أن للعالم - ومن ضمنه الإنسان - عالمین وبعدین بعداً مادیاً وبعد روحیاً، أو قل بعداً ظاهریاً وبعداً غیبیاً، ولکل من هذین العالمین قوانینه الخاصة، وإن کان هنالک ترابط وثیق وحقیقی بین کلا العالمین، وما یقع فی أحد هذین العالمین سیؤثر وبشکل فاعل علی العالم الآخر کما سنری ذلک عند استعراضنا لبعض الأحادیث الشریفة، ومن تلک الفوائد التی أحببنا تبیانها للبکاء ما یلی:

ألف: إن الحزن والبکاء من مظاهر التقوی والخشوع

ففی خطبة الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام التی وصف فیها المتقین جاء: «فالمتقون فیها أهل الفضائل... قلوبهم محزونة... تالین لأجزاء القرآن یرتلونه ترتیلا یحزّنون به أنفسهم»(1) فالحزن وفق هذه الکلمات الشریفة لأمیر المؤمنین هو من جملة فضائل المتقین ومیزاتهم.

وعن النبی صلی الله علیه وآله وسلم: «إذا أحب الله عبداً نصب فی قلبه نائحة من الحزن، فإن الله یحب کل قلب حزین، وأنه لا یدخل النار من بکی من خشیة الله حتی یعود اللبن فی الضرع، وإذا أبغض الله عبدا جعل فی قلبه مزماراً من الضحک وإن الضحک یمیت القلب والله لا یحب الفرحین»(2).


1- الأمالی للشیخ الصدوق: ص 667.
2- وسائل الشیعة: ج 7، ص 76، تحقیق ونشر مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث، قم المقدسة.

ص: 21

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «بکاء العیون وخشیة القلوب من رحمة الله تعالی ذکره فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء، ولو أن عبداً بکی فی أمة لرحم الله تعالی ذکره تلک الأمة لبکاء ذلک العبد»(1).

باء: الحزن والبکاء ینیران القلب ویرققانه

عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «البکاء من خشیة الله ینیر القلب ویعصم من معاودة الذنب»(2).

وعنه علیه السلام أیضا أنه قال: «ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لکثرة الذنوب»(3).

جیم: البکاء فی الدنیا نعیم فی الآخرة

عن الإمام الباقر علیه السلام: «کل عین باکیة یوم القیامة غیر ثلاث، عین سهرت فی سبیل الله، وعین فاضت من خشیة الله، وعین غضت عن المحارم»(4).

وعن الإمام الصادق علیه السلام: «ما من شیء إلا وله کیل أو وزن إلا الدموع فإن القطرة تطفئ بحاراً من نار، وإذا اغرورقت العین بمائها لم یرهق


1- بحار الأنوار: ج 90، ص 336.
2- عیون الحکم والمواعظ لعلی بن محمد اللیثی الواسطی: ص 21.
3- وسائل الشیعة: ج 16، ص 45. بحار الأنوار: ج 76، ص 55.
4- أصول الکافی للشیخ الکلینی: ج 2، ص 80.

ص: 22

وجهه قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه الله علی النار، ولو أن باکیاً بکی فی أمة لرحموا»(1).

ومن جملة وصایا الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم لأمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال له: «... والرابعة کثرة البکاء لله یبنی لک بکل دمعة ألف بیت فی الجنة»(2).

وعن الصادق علیه السلام قال: «ما من عین إلا وهی باکیة یوم القیامة إلا عینا بکت من خوف الله وما اغرورقت عین بمائها من خشیة الله عز وجل إلا حرم الله عز وجل سائر جسده علی النار...»(3).

دال: بالبکاء یستجاب الدعاء

عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «بکاء العیون وخشیة القلوب من رحمة الله تعالی ذکره فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء...»(4).

وقد قال الإمام الصادق علیه السلام لأبی بصیر: «إن خفت أمراً یکون أو حاجة تریدها فابدأ بالله فمجده وأثنِ علیه کما أهله وصلِّ علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم واسئل حاجتک وتباک ولو مثل رأس الذباب، إن


1- أصول الکافی للشیخ الکلینی: ص 481.
2- من لا یحضره الفقیه للشیخ الصدوق: ج 4، ص 189.
3- أصول الکافی: ج 2، ص 482.
4- بحار الأنوار: ج 90، ص 336.

ص: 23

أبی علیه السلام کان یقول: إن أقرب ما یکون العبد من الرب عز وجل وهو ساجد باک»(1).

وعن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «احذر دمعة المؤمن فإنها تقصف(2) من دمعها، وتطفئ بحور النیران عن صاحبها...»(3).

هاء: البکاء استغفار لله وتهلیل وتسبیح ودعاء

إن الناس وبسبب ابتعادهم عن الأجواء المعنویة والتصاقهم بالأجواء والمفاهیم المادیة الصرفة لا یفهمون کثیراً فی القضایا التی لها بعد معنوی سامٍ، ومن ضمن هذه الأمور التی لم یفهمها الناس قضیة البکاء سیما بکاء الأطفال، فعامة الناس تفهم من بکاء الأطفال وغیر البالغین مصدراً للإزعاج وعدم الراحة بینما الإسلام والنصوص الشرعیة تری من ذلک البکاء ذکراً وتسبیحاً ودعاءً واستغفاراً، فقد روی عن النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم إنه قال: «لا تضربوا أطفالکم علی بکائهم فإن بکاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله، وأربعة أشهر الصلاة علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأربعة أشهر الدعاء لوالدیه»(4).


1- الکافی للشیخ الکلینی: ج 2، ص 483.
2- أی تکسر.
3- مستدرک الوسائل: ج 17، ص 347.
4- کتاب التوحید للشیخ الصدوق: ص 331.

ص: 24

وقد روی أن جبرائیل علیه السلام قال للنبی صلی الله علیه وآله وسلم: «...فبکاؤه لا إله إلا الله، إلی أن تأتی علیه سبع سنین فإذا جاز السبع فبکاؤه استغفار لوالدیه إلی أن یأتی علیه الحد فإذا جاز الحد فما أتی من حسنة فلوالدیه وما أتی من سیئة فلا علیهما»(1).

وقال بعض المحققین: «السر فی أن الطفل أربعة أشهر لا یعرف سوی الله عز وجل الذی فطر علی معرفته وتوحیده فبکاؤه توسل إلیه والتجاء به سبحانه خاصة دون غیره، فهو شهادة له بالتوحید، وأربعة أخری یعرف أمه من حیث إنها وسیلة لاغتذائه فقط، لا من حیث إنها أمه، ولهذا یأخذ اللبن من غیرها أیضاً فی هذه المدة غالباً، فلا یعرف فیها بعد الله إلا من کان وسیلة بین الله وبینه فی ارتزاقه الذی هو مکلف به تکلیفاً طبیعیاً من حیث کونها وسیلة لا غیر وهذا معنی الرسالة، وأربعة أشهر أخری یعرف أبویه وکونه محتاجاً إلیهما فی الرزق فبکاؤه فیها دعاء لهما بالسلامة والبقاء»(2).

وعن تفسیر المیزان جاء: «أن الطفل فی الأربعة أشهر الأولی لا یعرف أحدا وإنما یحس بالحاجة فیطلب فی البکاء رفعها والرافع لها هو الله سبحانه... وفی الأربعة أشهر الثانیة یعرف والدیه واسطة ما بینه وبین


1- الکافی للشیخ الکلینی: ج 16، ص 53.
2- بحار الأنوار: ج 57، ص 382، و: ج 91، ص 55.

ص: 25

رافع حاجته من غیر أن یعرفهما بشخصیهما والواسطة بینه وبین ربه هو النبی فبکاؤه طلب للرحمة من ربه للنبی حتی یصل بتوسطه إلیه. وفی الأربعة أشهر الثالثة یمیز والدیه عن غیرهما فبکاؤه دعاء منه لهما وطلب جریان الرحمة من طریقهما إلیه»(1).

ثم ان الأخبار فی فضل البکاء والباکین والفوائد الروحیة والمعنویة کثیرة وفیما ذکرناه کفایة لمتفکر.

ثانیاً: فوائد البکاء المادیة والبدنیة

ألف: فی الطفل إذا خرج من بطن أمه

إن الطفل إذا خرج من بطن أمه یکون فی بدنه کثیر من الرطوبات المفسدة التی لو لم تخرج منه لأفْسدت علیه بدنه ولا یخرجها منه إلا البکاء، وتعصر الأعصاب والعروق، فیکون البکاء لأجلها، ومن أجل هذا نهی عن ضربه علی البکاء(2)، وهذا المعنی مروی أیضاً عن الصادق علیه السلام فی حدیثه مع المفضل بن عمر حیث قال علیه السلام: «اعرف یا مفضل ما للأطفال فی البکاء من المنفعة، وعلم أنَّ فی أدمغة الأطفال رطوبة، إن بقیت فیها أحدثت علیهم أحداثاً جلیلة وعللاً عظیمة من ذهاب البصر وغیره، والبکاء یسیل تلک الرطوبة من رؤوسهم فیعقبهم ذلک الصحة


1- تفسیر المیزان: ج 16، ص 188.
2- کما قد أوضحناه قبل قلیل.

ص: 26

فی أبدانهم، والسلامة فی أبصارهم، أفلیس قد جاز أن یکون الطفل ینتفع بالبکاء ووالداه لا یعرفان ذلک فهما دائبان لیسکتانه ویتوخیان فی الأمور مرضاته لئلا یبکی وهما لا یعلمان أن البکاء أصلح له وأجمل عاقبة فهکذا یجوز أن فی کثیر من الأشیاء منافع لا یعرفها القائلون بالإهمال ولو عرفوا ذلک لم یقضوا علی الشیء انه لا منفعة فیه من أجل أنهم لا یعرفونه ولا یعلمون السبب فیه فإن کل ما لا یعرفه المنکرون یعلمه العارفون، وکثیر مما یقصر عنه علم المخلوقین محیط به علم الخالق جل قدسه وعلت کلمته»(1).

باء: فی البکاء راحة للقلب ورفع للحزن

قد ثبت بالدلیل المادی والعلمی أن احتباس الهم والحزن فی داخل النفس وعدم تفریغه بالوسائل الطبیعیة التی من ضمنها البکاء یؤدی بالإنسان إلی مساوئ وأضرار بدنیة ونفسیة وخیمة لا تحمد عقباها، فالصدمات العصبیة الناتجة عن حالات الحزن والهم والمصائب الدنیویة تضر بالجهاز العصبی ضرراً بالغاً وبخاصة الدماغ، فغالباً ما یتعرض هؤلاء الناس إلی توقف فی واحدة من وظائف الدماغ والذی یؤدی إلی فقد حاسة من الحواس أو الشلل الکلی أو الجزئی بحسب شدة تلک الصدمة، ولتلک الصدمات أثر بالغ لیس علی الجهاز العصبی والدماغ فحسب بل علی سائر الوظائف الأخری والأجهزة الأخری، فکل


1- بحار الأنوار: ج 3، ص 65.

ص: 27

أجزاء الجسم وأعضائه تتأثر بذلک عادة. فداء السکری ینتج عن صدمة عصبیة، وقرحة المعدة واحدة من أسبابها الصدمة العصبیة، والسکتة القلبیة واحدة من أهم أسبابها الصدمة العصبیة إلی غیر ذلک مما لا یحصی من الأمراض التی تنتج عن الهم والحزن والصدمات التی لا تفرغ وتظل مکبوتة فی داخل النفس.

ولعل أحسن علاج تداوی فیه کل تلک الأمراض فیمتنع معه حدوثها وینقطع به سببها هو البکاء، فهو وسیلة طبیعیة لتفریغ شحنات الهم والحزن والصدمات العصبیة وإخراجها من حالة الکبت المضر إلی حالة من الدموع تریح النفس وتحافظ علی سلامة البدن. من هنا جاءت الروایات الشریفة تحثنا علی البکاء فی حالة التعرض لمصیبة یخاف من تأثیرها علی عقل الإنسان أو بدنه أو روحه، فعن أبی منصور قال: «شکوت إلی أبی عبد الله علیه السلام وجداً وجدته علی ابن لی هلک حتی خفت علی عقلی، فقال علیه السلام إذا أصابک من هذا شیء فأفض من دموعک فإنه یسکن عنک»(1).

وعن الإمام الصادق علیه السلام أیضاً انه قال: «من خاف علی نفسه من وجد بمصیبة فلیُفض من دموعه فإنه یسکن عنه»(2).


1- الکافی للکلینی: ج 3، ص 250.
2- من لا یحضره الفقیه للشیخ الصدوق: ج 1، ص 187.

ص: 28

جیم: الدمع والبکاء یحفظان العین ویقتلان الجراثیم

قال الدکتور سمیر الصلیبی: «أنظر إلی المرآة، فیتحقق لک أن الجفون تعمل بدقة فائقة علی سطح مقلة العین المتقوسة، کمسّاحات زجاج السیارات الأمامی - فتأتی غدد الدموع علی هذا المسطح کغاسلات تلقائیة للغسل والتنظیف بصورة مستمرة - والسائل الدمعی هو فی حد ذاته أعجوبة من أعاجیب الطبیعة، فهو یحتوی علی مادة أسمها «لیزوزیم»، هی جرثومة قاتلة أشد فتکاً من حمض «الکربولیک» لکنه لیس بالمؤذی إطلاقاً للعین، والعین بدون مادة اللیزوزیم معرضة أکثر فأکثر للتلوث، أما السائل الدمعی فیصنع باستمرار فی ساعات الیقظة، وتوصد غدده نفسها بنفسها فی حالات الرقاد والکمیة المصنعة هی ذاتیة التنظیم، تفرز عادة الکمیة اللازمة لوقایة القرنیة من النشفان ولتبقی مقلة العین فی رطوبة کافیة، وهکذا عندما تتحرک العین أو ترمش الجفون لا یقع احتکاک بین غشاء الجفن الداخلی المسمی ب_«الملتحمة»، ومقدمة العین التی ینزلق علیها، ویعرف کل منا ولاشک أن طعم الدمع مالح کطعم الدم، فالدموع والدماء لها کثافة ملح البحر، وفی حال وجود دخان أو غبار أو أجسام مثیرة أو مهیجة فی الجو، تزداد کمیة الدموع تلقائیاً، وهذا یعطینا مزیداً من مادة «اللیزوزیم» للتطهیر کما أن فیضاً من السائل الدمعی یحضّر، لیذیب الأوساخ ویغسل العین، والسائل الدمعی بعد أن یقوم بغسل وتزییت العین وإبادة الجراثیم یخرج منها من خلال

ص: 29

أنبوب تصریف دقیق جداً وهو مجری للدمع خاص یصب فی الأنف لهذا یقال إن أنفک یسیل عندما تبکی وأنت تری بسهولة فی المرآة ثقب هذا المجری علی حافة الجفن فی زاویته القرنیة فی الأنف، أی الموق الداخلی.

والدموع لا تجری فی هذا الأنبوب بحکم الجاذبیة فحسب بل تضخ ضخاً بواسطة کیس الدمعة الموجود تحت الجلد قریباً من الأنف والذی یسحب الدمعة سحباً من العین ویصبها فی الأنف. وهذه المضخة یسیرها العضل نفسه الذی یجعل العین ترفّ وترمش، فمع کل فتحة عین وغمضة عین تمتص هذه المضخة مقداراً قلیلاً من الدمع یجنبها فیضان الدموع علیها، والعین تدمع بغزارة عندما ینسد أنبوب التصریف، أو عندما یعجز عن تصریف فیض الدموع...»(1).

ویقول الدکتور محمد کمال عبد العزیز: «یتکون الجهاز الدمعی من غدة دمعیة وکیس دمعی... وتقوم الدموع بترطیب العین وتعقیمها وتنظیفها مما یعلق بها من أتربة وغبار ومیکروبات، حیث تحتوی الدموع علی مواد مطهرة تقتل المیکروبات، ومواد منظفة تزیل الأتربة. ویزید إفراز الدموع عند البکاء حیث تهدأ النفس وتبرد لوعة الحزن. وکما أن الدموع تغسل العیون فإنها کذلک تغسل القلوب مما علق بها من أدران...»(2).


1- العین للدکتور سمیر الصلیبی: ص 17.
2- إعجاز القرآن فی خلق الإنسان: ص 184.

ص: 30

ص: 31

سیرة العقلاء تقر الحزن والبکاء

ص: 32

ص: 33

اتضح لنا من خلال ما بیناه سابقاً، أن الحزن ما هو إلا تفاعل طبیعی بین الإنسان والظروف المحیطة به، ینتج عنه استجابة عضویة وعصبیة وفسیولوجیة معقدة فی کثیر من الأحیان، تترجم هذه الاستجابة عن طریق إفراز غدد الدمع فی العین مادة الدمع(1).

وهذا التفاعل الطبیعی مع المحیط لا یختص به فرد دون آخر ولا عصر دون عصر، فالناس جمیعاً منذ أن خلق الله سبحانه البشر إلی یومنا هذا بقیت وستبقی تحزن وتبکی حینما تمر بظروف وأحوال تدعوها إلی الحزن والبکاء.

من هنا ومما للحزن والبکاء من أهمیة مادیة وروحیة یمکن لنا القول إن سیرة العقلاء علی امتداد السنین جاریة علی إقرار البکاء والحزن


1- انطلاقاً من هذه الفکرة وان الإنسان یتفاعل مع محیطه وان هذه التفاعلات تترجم فی أغلب الأحیان بتفاعلات عضویة وعصبیة وفسیولوجیة اخترع جون لارسن ما یسمی بجهاز مقیاس الکذب وعدله لیونارد کیلو وجعله یکشف ویرصد التغییرات الجسمیة مثل ضغط الدم ومعدل النبض ومعدل التنفس وموجات الجلد الکهربائیة، ومن خلال هذه التغیرات یمکن اکتشاف الحقیقة من الکذب.

ص: 34

کحالة طبیعیة فی حیاة من یمر بمصیبة،کفقد عزیز له، بل ربما عاب هؤلاء الناس العقلاء علی من یمر بمصیبة ولا یحزن ولا یبکی، فیصفونه بقسوة القلب والغلظة فی الطبع.

وهذا الإجماع من العقلاء علی تجویز الحزن والبکاء وارتضائهما عند المصائب دلیل علی جوازه الشرعی لاستحالة اجتماع العقلاء الذین من ضمنهم الأنبیاء والأوصیاء علی الخطأ، سیما إذا امتدت هذه السیرة العقلائیة لأجیال وأجیال، وهذا الکشف للحکم الشرعی من السیرة العقلائیة مبنی علی قاعدة الملازمة بین حکم العقل وحکم الشرع وانه کلما حکم به العقل حکم به الشرع، فإذا حکم العقل باستحسان شیء مثلاً، لا بد من حکم الشرع به أیضاً، لعدم الانفکاک بین الحکمین، وبحسب الحقیقة حکم العقل الذی کان مورد وفاق العقلاء بما هم عقلاء نفس حکم الشرع بلا فصل ولا غیریة لعدم الفصل بین الشارع والعقلاء لأنه سیدهم،فإذا کان الحکم ثابتا عندهم قطعا فلابد أن یکون الحکم کذلک عند الشارع، لان الشارع أحد العقلاء وسیدهم فإذا کان العقلاء بما هم عقلاء مجتمعین ومتفقین علی حسن شیء وقبحه فلابد أن یکون الشارع داخلا ضمن ذلک(1).

ولو فرضنا أن الله سبحانه لم یرتض هذه السیرة العقلائیة، وکان


1- مئة قاعدة فقهیة - السید المصطفوی: ص 268، بتصرف بسیط.

ص: 35

الحزن والبکاء مبغوضاً له، ومحرماً عنده، لوجب بیان ذلک وفقاً لقاعدة قبح العقاب بلا بیان.

وینبغی أیضاً عدم الاکتفاء من قبل الشارع المقدس جل وعلا بمجرد البیان، بل یجب أن یکون هذا البیان والردع عن تلک السیرة العقلائیة شدیدا ولمرات عدیدة وکثیرة تتناسب مع حجم تلک السیرة العقلائیة ونطاقها.

لکننا لم نجد فی التشریعات والأحکام السماویة ما ینهی عن هذه السیرة العقلائیة، وما روته بعض المذاهب الإسلامیة من وجود بعض الروایات التی تنهی عن الحزن والبکاء، هی روایات آحاد لا تصلح أن تعارض تلک السیرة العقلائیة الممتدة لأجیال طویلة، بل إن روایات الآحاد هذه معارضة بروایات صحیحة متواترة لفظا أو معنی مؤیدة ومجوزة لظاهرة الحزن والبکاء.

بل ویمکن تأویلها لو صحت أمثال هذه الروایات الناهیة عن البکاء والحزن بأن النهی إن وجد إنما هو متوجه إلی الحزن والبکاء المفرط الذی یؤدی بالإنسان إلی الجزع المنهی عنه شرعاً، والمؤدی إلی حالة الاعتراض علی مقادیر الله سبحانه وقضائه.

ومن هذا یتضح أن الله سبحانه لم ینه عن تلک السیرة بل أجازها وأقرها. ولولا ذلک الإقرار والقبول لما وقع الحزن والبکاء من الرسل والأنبیاء علیهم السلام وهو ما سنتعرض له لاحقاً.

ص: 36

ص: 37

الحزن والبکاء شعار الأنبیاء

ص: 38

ص: 39

الأنبیاء العظام علیهم السلام شأنهم شأن جمیع البشر أودع الله سبحانه وتعالی فیهم غریزة الحزن والبکاء، فقاموا بتهذیبها وصقلها علی وفق الرضا الإلهی، بحیث خرجت عن حدی الإفراط والتفریط المنهی عنهما فی الشریعة الإلهیة.

وقد اشتهر بعض الأنبیاء العظام علیهم السلام بهذه الصفة - صفة الحزن والبکاء - أکثر من غیرهم، حتی أصبح الحزن والبکاء سمة ممیزة لهم، ونستطیع أن نستذکر مجموعة کانوا محل إجماع المسلمین، ومن هؤلاء نبی الله یحیی الذی عد من البکائین فی کتب التاریخ والذی بلغ من شدة بکائه أن صار له شقان فی خدیه من کثرة البکاء حتی قال له أبوه: «إنما سألت الله ولدا تقر به عینی فقال یا أبه إن جبرائیل أخبرنی أن بین الجنة والنار مفازة لا یقطعها إلا کل بکاء»(1) ومن الواضح أن جواب نبی


1- تاریخ بغداد: ج 4، ص 267. تاریخ مدینة دمشق: ح 7، ص 415.

ص: 40

الله یحیی علیه السلام عام لا یخصص بالبکاء من خشیة الله فقط دون غیره من أقسام البکاء،بل هو شامل لکل بکاء یسهم فی قطع تلک المفازة والعقبة التی بین الجنة والنار، والبکاء علی الحسین علیه السلام - کما سیأتی - یسهم وبشکل فاعل فی رفع الدرجات وحط السیئات، ویسکن صاحبه الجنات ومن ثم فهو من الأقسام التی تساعد علی قطع تلک العقبة فیکون مشمولا بقول یحیی علیه السلام، ولم یکن نبی الله یحیی بدعا ممن سبقه من الأنبیاء والرسل فقد ورد فی الحدیث: «لو عدل بکاء أهل الأرض ببکاء داود ما عدله...»(1)، ومن قبلهما کان آدم علیه السلام الذی بکی علی الجنة بعد إخراجه منها أربعین عاما.

فعن ابن عباس عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال: «هبط آدم من الجنة بیاقوتة بیضاء یمسح بها دموعه، قال: وبکی آدم علی الجنة أربعین عاما فقال له جبرائیل یا آدم ما یبکیک إن الله بعثنی إلیک معزیا فضحک آدم فذلک قول الله ((هُوَ أَضْحَکَ وَأَبْکَی))(2) فضحک آدم وضحکت ذریته وبکی آدم وبکت ذریته»(3)، وعن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن ثویر بن أبی فاختة قال: «سمعت علی بن الحسین علیه السلام یحدث رجلا من قریش قال: لما قرب ابنا آدم القربان... وأحس قلب آدم بالذی فعل قابیل، فلما بلغ


1- الدرّ المنثور لجلال الدین السیوطی: ج 5، ص 304.
2- سور ة النجم، الآیة: 43.
3- الدرّ المنثور للسیوطی: ج 6، ص 130.

ص: 41

مکان القربان استبان قتله فلعن آدم الأرض التی قبلت دم هابیل، وأمر آدم أن یلعن قابیل ونودی قابیل من السماء: لعنت کما قتلت أخاک، ولذلک لا تشرب الأرض الدم فانصرف آدم فبکی علی هابیل أربعین یوما ولیلة... فأوحی الله إلیه: أنی واهب لک ذکرا یکون مبارکا، فلما کان یوم السابع أوحی الله إلیه: یا آدم إن هذا الغلام هبة منی لک فسمه هبة الله، فسماه آدم هبة الله»(1).

وکذلک حال یعقوب النبی علیه السلام الذی بکی علی ولده یوسف إلی أن ابیضت عیناه من شده الحزن والوجد علی ابنه فهو کظیم.

ولو لاحظنا القرآن الکریم حینما یستعرض قصة یعقوب علیه السلام وحزنه وبکاءه وفقد بصره فإنه لا تصدر منه حتی کلمة عتاب أو تقریع بحق یعقوب علیه السلام حاشاه، بل إن أجواء سیاق القصة التی ذکر فیها حزن یعقوب تعکس حالة الرحمة والشفقة من قبل الله سبحانه علی ما وصل إلیه حال ذلک الشیخ النبی علیه السلام، وهذا السیاق وتلک الطریقة التی استعرضت من خلالها قصة یعقوب تجعل القارئ لتلک الآیات یشعر بذلک الحزن والألم الذی حل بیعقوب علیه السلام قال تعالی:


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسی: ج 11، ص 230 و231.

ص: 42

((وَتَوَلَّی عَنْهُمْ وَقَالَ یَا أَسَفَی عَلَی یُوسُفَ وَابْیَضَّتْ عَیْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِیمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْکُرُ یُوسُفَ حَتَّی تَکُونَ حَرَضًا أَوْ تَکُونَ مِنَ الْهَالِکِینَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْکُو بَثِّی وَحُزْنِی إِلَی اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) یَا بَنِیَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یُوسُفَ وَأَخِیهِ وَلَا تَیْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا یَیْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْکَافِرُونَ))(1).

والأسف هو أشد حالات الحزن، وابیضت؛ یعنی عمیت، وکظیم یعنی؛ محزون.

والتفکر فی قصة نبیَّی الله یوسف ویعقوب علیهما السلام والتدبر فی مضامینها العالیة یقودنا إلی نتائج مهمة للغایة منها:

 أولاً: جواز الحزن والبکاء علی الأشخاص المفقودین الذین تکون لهم محبة خاصة فی نفس الإنسان، سیما لو کان ذلک الفقید ذا منزلة خاصة کمن_زلة یوسف علیه السلام.

ثانیاً: إن هذا البکاء والحزن جائز بالرغم من وصوله درجة بلیغة تذهب بالبصر، ما لم یکن ذلک البکاء والحزن جزعاً ورفضاً لقضاء الله سبحانه وتعالی وقدره، فکل حزن مقرون بالصبر مستحب ومندوب، وکل دمع نزل رقة ورحمة أو شوقا فهو محبوب مهما تکن غزارته، وکل دمع فیه شعور بالسخط وعدم رضا بالقضاء الإلهی فهو مذموم


1- سورة یوسف، الآیة: 84 إلی 87.

ص: 43

ومرفوض حتی لو کان دمعة واحدة.

وفی الآیة الکریمة: ((قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِیلٌ عَسَی اللَّهُ أَنْ یَأْتِیَنِی بِهِمْ جَمِیعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ))(1)، ظهور جلی فی أن بکاء نبی الله یعقوب علیه السلام کان مقرونا بالصبر والأمل،ومما یؤید أن بکاءه علیه السلام لم یکن بکاء سخط واعتراض ما جاء عن قتادة أنه قال: ((وَابْیَضَّتْ عَیْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِیمٌ)) یقول: یردد حزنه فی جوفه ولم یتکلم بسوء»(2)، وعنه أیضا قال: «کظیم علی الحزن ولم یقل إلا خیراً»(3).


1- سورة یوسف، الآیة: 83.
2- جامع البیان لابن جریر الطبری: ج 13، ص 54.
3- نفس المصدر السابق.

ص: 44

ص: 45

البکاء والحزن ظاهرة اجتماعیة فی الإسلام

ص: 46

ص: 47

الذی یظهر من تتبع النصوص التاریخیة الإسلامیة أن البکاء والحزن کانا یمثلان ظاهرة اجتماعیة اعتاد علیها المجتمع فی زمن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، فکم من مرة ومرة رأی فیها المسلمون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یجهش بالبکاء حزناً، وکم من مرة ومرة أجهش المسلمون بالبکاء لسماعهم بکاء الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم من علی منبره، فیبکون لبکائه ویحزنون لحزنه، دون استغراب منهم، ودون أن ینهاهم عن ذلک.

وبهذا یتضح جلیاً أن ظاهرة الحزن والبکاء کانت غیر مستهجنة عند المسلمین الأوائل، بل إنها کانت تعبر عن رقة قلب الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم، وعدم قسوة الباکین.

وقد وقع اختیارنا علی مجموعة من الشواهد، توضح هذه الحقیقة التی بیناها أعلاه:

الأول: روی أن إعرابیا أتی الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم وسأله عن بنت له کانت قد ولدت فی الجاهلیة فأراد أن یئدها

ص: 48

فتشفعت إلیه امرأته وتوسلت أن یترکها فترکها حتی کبرت وصارت من أجمل النساء، فخطبوها منه فدخلته الحمیة ولم یحتمل قلبه أن یزوجها، فقال لزوجته إنی أرید أن أذهب إلی قبیلة کذا وکذا لزیارة أقربائی فابعثیها معی، فسرت بذلک الفتاة، قال فزینتها الأم بالثیاب والحلی وأخذت علی المواثیق بان لا أخونها، قال فذهبت إلی رأس بئر فنظرت فی البئر ففطنت الجاریة أنی أرید أن أُلقیها فی البئر فالتزمتنی وجعلت تبکی وتقول یا أبتاه ماذا ترید أن تفعل بی؟ قال فرحمتها، ثم نظرت فی البئر فدخلت علی الحمیة، ثم التزمتنی وجعلت تقول: یا أبتاه لا تضیّع أمانة أمی، فجعلت مرة أنظر فی البئر ومرة أنظر إلیها فأرحمها حتی غلبنی الشیطان فأخذتها وألقیتها فی البئر منکوسة وهی تنادی فی البئر: یا أبت قتلتنی، فمکثت هناک حتی انقطع صوتها فرجعت. فبکی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال: «لو أمرت أن أعاقب أحداً لما فعل فی الجاهلیة لعاقبتک»(1).

الثانی: أخرج الدارمی فی سننه عن الولید بن النضر أن رجلاً أتی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال: «یا رسول الله إنا کنا أهل جاهلیة وعبادة أوثان، فکنا نقتل الأولاد وکانت عندی ابنة لی فلما أجابت وکانت مسرورة بدعائی إذا دعوتها، فدعوتها یوماً فاتبعتنی فمررت حتی أتیت بئراً من أهلی غیر بعید، فأخذت بیدها فردیت بها فی البئر وکان


1- تفسیر القرطبی: ج7، ص97، الطبعة 1405، المطبعة دار إحیاء التراث العربی.

ص: 49

آخر عهدی بها أن تقول یا أبتاه یا أبتاه، فبکی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی وکف - سال - دمع عینیه،فقال له رجل من جلساء رسول الله:أحزنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقال له:کف فانه یسأل عما أهمه ثم قال له صلی الله علیه وآله وسلم: أعد علی حدیثک فأعاده فبکی صلی الله علیه وآله وسلم حتی وکف الدمع من عینیه علی لحیته»(1).

ونستظهر من هاتین الروایتین جواز البکاء علی من مات مظلوماً بصورة تثیر الشفقة والرحمة حتی وإن کان ذلک المیت من غیر المسلمین لأن تلکم البنتین قد ماتتا فی الجاهلیة ولم تدرکا الإسلام أصلا، ومع ذلک بکی علیهما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأنه صلی الله علیه وآله وسلم کان ینظر إلی الجانب الإنسانی فی هاتین الحادثتین قبل الجانب الدینی البحت وان کان کلا الجانبین لا ینفکان عادة.

والشیء الثانی الذی نستطیع اکتشافه من الروایة الثانیة بالخصوص جواز إعادة نفس المصیبة وتکرارها وجواز تکرار البکاء والحزن علیها، لأن النبی صلی الله علیه وآله وسلم بعد أن أتم الرجل قصته وبکی حتی وکف دمعه علی لحیته الشریفة، طلب منه إن یعیدها ثانیة علیه، فبکی مرة أخری بحرقة وألم.


1- سنن الدارمی: ج 1، ص 3، مطبعة الاعتدال  - دمشق.

ص: 50

کما ویتضح لنا جواز عقد المجالس وقراءة المصائب والقصص المثیرة للرحمة والشفقة علی من مات مظلوماً ومغدوراً، لأن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی الروایتین السابقتین لم یکن وحده فی المجلس بدلیل أن بعض جلساء النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال فی الروایة الثانیة للسائل «أحزنت رسول الله»، فکل واحد من السائلین روی قصته التی أبکت النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم أمامهم.

الثالث: ما روی فی صحیح البخاری بسنده عن أسامة قال: «کان لبعض بنات النبی صلی الله علیه وآله وسلم صبی یقضی فأرسلت إلیه أن یأتیها فأرسل إن لله ما أخذ ولله ما أعطی وکل إلی أجل مسمی فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إلیه وأقسمت علیه، فقام رسول صلی الله علیه وآله وسلم وقمت معه ومعاذ بن جبل وأبی بن کعب وعبادة بن الصامت، فلما دخلنا ناولوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الصبی ونفسه تقلقل فی صدره حسبته قال کأنها شنة، فبکی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال سعد بن عبادة: أتبکی؟ فقال صلی الله علیه وآله وسلم: إنما یرحم الله من عباده الرحماء»(1).

ومن هذه الروایة نستطیع أن نعرف أن البکاء إذا کان رحمة وشفقة علی المیت والمحتضر فانه جائز، وهو من الرحمة التی أعطاها الله لعباده


1- صحیح البخاری: ج 8، ص 186، ط دار الفکر بیروت سنة 1401.

ص: 51

وأحب أن یظهرها العبد، وهو المقصود بقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إنما یرحم الله من عباده الرحماء».

الرابع: ما رواه أحمد بن حنبل فی سنده عن ابن عمر قال: «إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لما رجع من أحد جعلت نساء الأنصار یبکین علی من قتل من أزواجهن، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ولکن حمزة لا بواکی له. قال ثم نام صلی الله علیه وآله وسلم فانتبه وهن یبکین، قال فهن الیوم إذا یبکین یندبن حمزة»(1).

ونستظهر من هذه الروایة تقریر النبی صلی الله علیه وآله وسلم لهذه النسوة لبکائهن علی أزواجهن، بل تعدی الأمر ذلک بأمره ورغبته فی أن یبکی المسلمون علی حمزة بن عبد المطلب عم النبی رضی الله عنه، وحسرته أن لا بواکی له، وهذا ما فهمه المسلمون من قوله صلی الله علیه وآله وسلم، لذلک کانوا یعقدون المجالس للبکاء علی حمزة بن عبد المطلب علیه السلام، قال الواقدی: «لم تبک امرأة من الأنصار علی میت - بعد قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لکن حمزة لا بواکی له - إلی الیوم إلا بدأن بالبکاء علی حمزة»(2).

وأیضاً نستطیع أن نکتشف جواز عقد مجالس العزاء الجماعی،


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 2، ص 40، طبعة دار صادر بیروت. ومثله فی البدایة والنهایة: ج 4، ص 55. والسیرة النبویة لابن هشام: ج 3، ص 95.
2- مجمع الزوائد: ج 6، ص120، ط دار الکتب العلمیة الطبعة 1408 ه_ 1988م.

ص: 52

وجواز أن یکون البکاء حالة تخیم علی المجتمع المسلم سیما إذا کانت هذه الحالة ناشئة من أجل مصیبة تلم بالمجتمع تکون هامة وتمس کل أفراده، فموت أولئک الرجال واستشهادهم فی معرکة أحد ما کان مسألة شخصیة تهم فرداً دون آخر، بل کانت مسألة اجتماعیة لان هؤلاء الشهداء إنما ضحوا بأنفسهم من أجل المسلمین ومن أجل الدین، ومن أجل الدفاع عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم وشریعته المقدسة.

وکذلک یتضح لنا من الروایة جواز إظهار مصیبة معینة وتکرارها مرات عدیدة، لعلة معینة کأن تکون تلک المصیبة ألمت بشخص شهید قد قتل فی سبیل الله سبحانه بطریقة وحشیة تثیر فی نفس المسلم الرحمة والشفقة کما الحال فی مصیبة حمزة بن عبد المطلب علیه السلام التی آلمت قلب النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأجرت من عینه الدموع، یوم نظر إلی ما فعلته هند بجثته الطاهرة.

الخامس: ما روی من بکاء النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی جعفر بن أبی طالب رحمه الله، فما أن وصل خبره إلی النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم حتی ذهب إلی بیت جعفر فدخل علی امرأته وبیدها العجین، فقال لها: یا أسماء أین ولدک قالت: فأتیته بعبد الله ومحمد وعون، فأجلسهم جمیعاً فی حجره وضمهم إلیه ومسح علی رؤوسهم ودمعت عیناه فقلت بأبی أنت وأمی یا رسول الله، لم تفعل بولدی کما تفعل بالأیتام، لعله بلغک عن جعفر شیء؟ فغلبته صلی الله علیه وآله

ص: 53

وسلم العبرة وقال رحم الله جعفراً، فصاحت وا ویلاه وا سیداه، فقال صلی الله علیه وآله وسلم لا تدعی بویل ولا حرب وکل ما قلت فأنت صادقة، فصاحت وا جعفراه، وسمعت صوتها فاطمة بنت رسول فجاءت وهی تصیح وا ابن عماه، فخرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یجر رداءه ما یملک عبرته وهو یقول علی جعفر فلتبک البواکی(1).

ویستکشف من هذه الروایة فضلاً عن جواز البکاء، جواز الصیاح حزناً وتألماً علی فراق الأعزاء، کما یشهد بذلک صیاح امرأة جعفر، وصیاح فاطمة بنت محمد علیها السلام من دون أن ینهاهما النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم، ولکن بشرط أن لا یکون هذا الصیاح دعوة بالویل أو دعوة لحرب بمعنی إن الاعتراض الصادر عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو لیس علی الصیاح بما هو صیاح بل علی مضمون ذلک الصیاح.

السادس: ما رواه غیر واحد من شکوی سعد بن عبادة حین أتاه النبی صلی الله علیه وآله وسلم یعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبی وقاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل علیه وجده فی غشیة فقال أقد قضی؟ قالوا لا یا رسول الله، فبکی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فلما رأی القوم بکاء رسول الله بکوا، فقال ألا تسمعون إن


1- تاریخ الیعقوبی: ج 2، ص 65.

ص: 54

الله لا یعذب بدمع العین ولا بحزن القلب ولکن یعذب بهذا - وأشار إلی لسانه - أو یرحم(1).

ویعلم من هذه الروایة جواز البکاء حتی علی المریض وصاحب العلة، وفی الروایة ما یفند قول من یقول بان المیت یعذب ببکاء أهله لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إلا تسمعون إن الله لا یعذب بدمع العین ولا بحزن القلب ولکن یعذب بهذا أو یرحم» وأشار إلی لسانه.

السابع: بکاؤه صلی الله علیه وآله وسلم علی ولده إبراهیم، فعن أنس بن مالک قال: «...فأخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم  إبراهیم(2) فقبله وشمه ثم دخلنا علیه بعد ذلک، وإبراهیم یجود بنفسه، فجعلت عینا رسول الله تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت یا رسول الله، فقال صلی الله علیه وآله وسلم؟ یا ابن عوف إنها رحمة، ثم أتبعها بأخری فقال إن العین تدمع والقلب یحزن ولا نقول إلا ما یرضی ربنا وإنا بفراقک یا إبراهیم لمحزونون»(3).

الثامن: عن أبی هریرة قال: «زار النبی صلی الله علیه وآله وسلم قبر


1- صحیح مسلم: ج 3، ص 40.  ونیل الأوطار للشوکانی: ج 4، ص 150. وإرواء الغلیل لمحمد ناصر الألبانی: ج 3، ص 321.
2- إبراهیم هو ابن الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم من زوجته ماریه القبطیة، مات فی حیاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم.
3- صحیح البخاری: ج 2، ص 85، ط دار الفکر العربی.

ص: 55

أمه فبکی وأبکی من حوله»(1).

التاسع: عن أبی إسحاق عن جبار الطائی قال: «کنت مع ابن عباس رضی الله عنهما فی جنازة فإذا فیها صارخة، قلت: یا سبحان الله یفعل هذا فی حرم رسول صلی الله علیه وآله وسلم، فقال دعنا منک یا جبار فإن الله هو أضحک وأبکی»(2).

العاشر: لما توفیت فاطمة بنت أسد أم الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام شهدها النبی صلی الله علیه وآله وسلم وتولی دفنها ونزع قمیصه وألبسها إیاه واضطجع فی قبرها فلما سوی علیها التراب سئل عن ذلک فقال ألبستها لتلبس من ثیاب الجنة واضطجعت معها فی قبرها لا خفف عنها من ضغطة القبر إنها کانت أحسن خلق الله صنیعاً إلی بعد أبی طالب. وروی أنه صلی الله علیه وآله وسلم صلی علیها وتمرغ فی قبرها وبکی وقال جزاکِ الله من أم خیراً فلقد کنت خیر أم(3).

الحادی عشر: عن عبد الله بن عکرمة قال: «عجباً لقول الناس إن عمر بن الخطاب نهی عن النوح! لقد بکی علی خالد بن الولید بمکة والمدینة نساء بنی المغیرة سبعاً یشققن الجیوب ویضربن الوجوه وأطعموا


1- صحیح مسلم: ج 3، ص 65.
2- تصحیفات المحدثین: ص 483.
3- أنساب الأشراف للبلاذری: ص 38. تاریخ مدینة دمشق: ج 42، ص 574.

ص: 56

الطعام تلک الأیام حتی مضت ما ینهاهن عمر»(1).

وفی هذه الروایة ما فیها من الإقرار الاجتماعی أولاً ومن إقرار شخص عمر بن الخطاب الذی کان فی أعلی منصب من مناصب الدولة لفعل نساء بنی المغیرة، ومن هذا الإقرار نستطیع استکشاف أن المرتکز فی الذهن الاجتماعی تلک الأیام جواز النوح والبکاء والتأثر بمصیبة فقد الأحباب حتی وإن وصل هذا التأثر درجة بلیغة تحدو بالإنسان إلی ضرب وجهه وشق جیبه حزناً وتألماً علی فراق من یحب، ولو کان المرتکز فی ذهن المجتمع عکس ذلک لما رضی به المجتمع المسلم ورئیس الدولة آنذاک. لأن فی سکوتهم ورضاهم سکوتاً علی الباطل والمنکر، ولوجب علیهم تبعاً لذلک رد المنکر، سیما أن فعل نساء بنی المغیرة قد استمر سبعة أیام، ولو فرضنا أن عمر بن الخطاب قد غفل أو نسی أو تعمد السکوت علی هذا الباطل لو کان باطلا فعلا، فمن البعید أن یسکت باقی الصحابة، فکان لزاماً علیهم لو لم یکن ذلک الفعل جائزاً توجیه عمر بن الخطاب وتنبیهه أولاً ونساء بنی المغیرة ثانیاً بأن هذا الفعل هو منکر مخالف لأوامر النبی صلی الله علیه وآله وسلم ونواهیه.

وبذات الطریقة یستفاد من روایة فعل نساء بنی المغیرة وسکوت عمر بن الخطاب والصحابة عدم البأس من إطعام الطعام فی أیام العزاء والمصیبة


1- کنز العمال للمتقی الهندی: ج 15، ص 731.

ص: 57

إکراماً للمیت وإظهاراً لفضله وحبه والاهتمام بأمره وأمر المعزین به.

الثانی عشر: بکاء الناس علی الجوینی المتوفی سنة «478ه_»، فلما مات قام الصیاح علیه من کل جانب وجزع الفرق علیه جزعاً لم یعهد مثله، ولم تفتح الأبواب فی البلد ووضع الناس المنادیل علی الرؤوس عاماً بحیث ما اجترأ أحد علی ستر رأسه من الزعماء والکبار وصلی علیه ابنه أبو القاسم بعد جهد جهید حتی حمل إلی داره من شدة الزحمة، وکسر منبره فی الجامع(1)، وقعد الناس للعزاء عاماً، وأکثر الشعراء المراثی فیه وکان الطلبة أربعمائة نفر یطوفون فی البلد نائحین علیه مکسرین المحابر والأقلام مبالغین فی الصیاح والجزع(2).

وفی یوم ممات ابن الجوزی ودفنه سنة «597 ه_»، ضاق بالناس وکان یوماً مشهوراً، وکان فی تموز وأفطر خلق ورموا بأنفسهم فی الماء، وما وصل إلی حفرته من الکفن إلا القلیل(3).

وفی هذه الحادثة عدة من الأمور التی یمکن أن نستفید منها بالطریقة


1- کسر منبره للتبرک به من قبل الناس المحبین له وأخذت ألواحه للتذکر بشخصه وأیامه.
2- ذیل تاریخ بغداد لأبن النجار البغدادی: ج 1، ص 47.
3- سیر أعلام النبلاء للذهبی: ج 21، ص 379. وما وصل إلی حفرته من الکفن إلا القلیل یظهر منه أن الناس قطعت کفنه للتبرک به أو مزقته من شدة التأثر علیه والحزن، أو هو قد تمزق بسبب شدة الزحام وانتقاله من ید لید، وربما کل الاحتمالات قد اجتمعت.

ص: 58

التی طبقناها فی الدلیل الحادی عشر، لأن التصرف الجماعی وخصوصاً إذا کان فی ضمن هذا التجمع عدد من علماء الدین أو طلبة علوم الدین ممن یکون عددهم لا یستهان به دلیل علی وجود ارتکاز شرعی فی أذهانهم ونفوسهم بجواز صدور هذه الأفعال منهم، وإلا لو کان المرتکز عکس ذلک لوجب علی علماء ذلک المجتمع أن یقفوا بوجه تصرف کهذا، وأن ینهوا الناس بالکلام والفعل من طریق إبداء الامتعاض والغضب من أفعال کهذه.

فسکوت علماء ذلک المجتمع بل وتصرفهم بتلک الطریقة التی عرفت من طوافهم فی البلد نائحین علی الجوینی باکین مکسرین محابرهم والأقلام، صائحین بل مبالغین فی الصیاح وإظهار الجزع دلیل علی أن علماء ذلک العصر ومتشرعیه کان لهم دلیل علی جواز کل ذلک وإلا لکان قد وجد بینهم من ینهی ویمنع، ولاستحالة تواطؤ هذا العدد علی الخطأ والمعصیة عادة.

ومثلما اکتشفنا من سکوت هؤلاء وفعلهم علی وجود دلیل دلهم علی جواز البکاء، کذلک نستکشف من سکوتهم وجود دلیل یستندون إلیه فی خروج الناس جماعات وفرادی للعزاء، والجلوس له لفترات طویلة تتناسب وحال الشخص المیت ومنزلته، والخروج علی شکل مواکب وجماعات للطواف فی الأزقة والأحیاء لإظهار المصیبة مع احتواء

ص: 59

هذه التجمعات علی الصیاح والحزن والجزع والبکاء.

الثالث عشر: إقامة سبط بن الجوزی العزاء علی الحسین - علیه السلام-، حین سأله الملک الناصر صاحب حلب فی یوم عاشوراء أن یذکر للناس شیئاً من مقتل الحسین علیه السلام فصعد المنبر وجلس طویلاً لا یتکلم، ثم وضع المندیل علی وجهه وبکی شدیداً ثم أنشأ یقول وهو یبکی:

وی_ل لم_ن شفعاؤه خصماؤه

والصور فی نشر الخلائق ینفخ

لابد أن ترد القیامة فاط_م

وقمیصها بدم الحسین ملطخ

ثم نزل من المنبر وهو یبکی وصعد إلی الصالحیة وهو - کذلک - یبکی رحمه الله تعالی(1). ومن هذه الروایة یمکن لنا أن نستظهر بأن سبط بن الجوزی ما کان یصدر منه هذا الفعل لولا اعتقاده الکامل والراسخ بجواز البکاء وإقامة مجالس العزاء علی أبی عبد الله الحسین علیه السلام یوم عاشوراء وإنشاء الشعر المذکر بمصیبته والبکاء الشدید المستمر لوقت طویل. فلو أنه لم یعتقد الجواز لما استجاب لدعوة الملک الناصر صاحب حلب ولاعتذر بشیء من الحجج علی أقل التقادیر.

وفیما قدمنا من شواهد کفایة لکل منصف، لیحکم بنفسه علی جواز الحزن والبکاء بل ورجحانه لأنه یعبر عن الرحمة والرقة فی القلب التی منحها الله لعباده المؤمنین.


1- البدایة والنهایة: ج 13، ص 227. لأبن کثیر.

ص: 60

ص: 61

الصحابة یبکون بل یجزعون

ص: 62

ص: 63

قد أصبح من البدیهیات لدی جمیع الفرق الإسلامیة أنّ سیرة المتشرعة حجة یمکن من خلالها استکشاف الجواز والحرمة الشرعیة.

ونقصد بسیرة المتشرعة هنا، تلک الأفعال والأقوال التی کان یمارسها المجتمع المسلم فی عصر المعصومین علیهم السلام بدءا برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومروراً بخلفائه الإمام علی والحسن والحسین علیهم السلام.

ولو رجعنا إلی المصادر التاریخیة لَتبیّنَ لنا جلیاً أنّ سیرة الصحابة الذین کانوا فی عهد الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وتحت إشرافه المباشر کانت جاریة علی الحزن والبکاء علی أعزائهم من الموتی وبالخصوص الشهداء منهم، ومن له من_زلة اجتماعیة أو خصوصیة إضافیة کما سیأتی من فعل أم سلمة عند بکائها علی أحد المسلمین مات فی بلد الغربة.

ص: 64

ومن کثرة تلک الشواهد التاریخیة نستطیع أن نستدل بمجموعها علی الجواز الشرعی للبکاء والحزن علی الأموات والشهداء والغرباء، وسادة القوم، ومن له منزلة اجتماعیة هامة، ویقوی هذا الاستدلال أن کثیراً من تلک التصرفات والأفعال قد وقعت تحت نظر النبی صلی الله علیه وآله وسلم، فأقرها ولم ینه عنها. فیکون الاستدلال فی مقامنا هذا مرکباً من شیئین:

أحدهما: سیرة الصحابة المتشرعة فی الحزن والبکاء، هذه السیرة الممتدة جیلاً بعد جیل، وعصراً بعد عصر.

والأخر: تقریر النبی صلی الله علیه وآله وسلم لهذه السیرة والذی یستکشف منه الرضا القولی أو الفعلی.

وما نرید أن نوضحه هنا هو أن بعض الصحابة کان یخرج بحزنه وبکائه عن حدود المتعارف فیصل إلی حد الجزع والبکاء الشدید، الذی لا ینافی الشرع المقدس، بل إن بعض هؤلاء الجازعین کانوا یستأذنون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أن یبکوا بهذه الطریقة فیأذن لهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بذلک وإلیک بعض الشواهد علی ما بیناه:

الأول: بکاء أم سلمة وجزعها: روی عن أم سلمة بنت أبی أمیة أنها قالت: «جزعت حین مات الولید بن الولید جزعاً لم أجزعه علی

ص: 65

میت، فقلت لأبکین علیه بکاء تحدث به نساء الأوس والخزرج، وقلت غریب توفی فی بلاد غربة، فاستأذنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإذن لی بالبکاء...»(1).

الثانی: بکاء حمنة بنت جحش علی زوجها: روی انه لما رجع النبی صلی الله علیه وآله وسلم من غزوة أحد إلی المدینة لقیته حمنة بنت جحش فلما لقیت الناس نعی إلیها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعی إلیها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعی إلیها زوجها مصعب بن عمیر فصاحت وولولت.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إن زوج المرأة منها لبمکان(2).

الثالث: عن عقبة بن عامر الجهنی أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طلق حفصة بنت عمر فبلغ عمر بن الخطاب فوضع التراب علی رأسه وقال ما یعبأ الله بک یا ابن الخطاب بعدها...(3).


1- الطبقات الکبری: ج 4، ص 133، الناشر دار صادر بیروت.
2- البدایة والنهایة: ج4، ص53، تحقیق علی شیری، ط دار إحیاء التراث العربی. والسیرة النبویة لابن کثیر: ج3، ص93 الطبعة الأولی 1396 ه_.
3- جمع الزوائد للهیثمی: ج4 ص334، ط دار الکتب العلمیة السنة 1408 ه_ - 1988م.

ص: 66

الرابع: روی أحمد بن حنبل فی مسنده خبرا ذکر فیه موت رقیة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وبکاء النساء علیها، قال... فجعل عمر یضربهن بسوطه، فقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم دعهن یبکین، وقعد صلی الله علیه وآله وسلم علی شفیر القبر وفاطمة إلی جنبه تبکی، قال فجعل النبی صلی الله علیه وآله وسلم یمسح عین فاطمة بثوبه رحمة لها(1).

وأخرج أیضاً حدیثاً جاء فیه:

«مر علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جنازة معها بواک فنهرهن عمر، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دعهن فان النفس مصابة»(2).

الخامس: ما روی عن عمر بن الخطاب انه وقف ذات یوم علی قبر شیخ قد مات، فصلی علیه ثم اعتنقه وبکی(3).

وکذلک بکی علی النعمان بن مقرن لما جاءه خبر موته فصعد المنبر ونعاه إلی الناس ووضع یده علی رأسه وبکی(4).


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص335، ط دار صادر بیروت.
2- المصدر السابق: ج 2، ص 333.
3- أسد الغابة: ج 5، ص 258، الناشر انتشارات إسماعیلیان، طهران.
4- أسد الغابة: ج 5، ص 31، الناشر انتشارات إسماعیلیان، طهران.

ص: 67

السادس: عن عائشة قالت: «إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قبض وهو فی حجری(1)، ثم وضعت رأسه علی وسادة وقمت التدم مع النساء وأضرب وجهی»(2).

ومعنی التدام النساء هو ضربهن صدورهن فی النیاحة(3).

السابع: عن محمد بن یوسف قال: «خرجت نائلة بنت الفرافصة - زوجة عثمان بن عفان - تلک اللیلة - التی دفن فیها عثمان - وقد شقت جیبها قبلاً دبراً ومعها سراج وهی تصیح وا أمیر المؤمنیناه...»(4).

فتحصل مما سبق من الشواهد أنّ سیرة المتشرعة من الصحابة کانت جاریة علی الحزن والبکاء، بل وجواز الجزع کما فی خبر أم سلمة، ووضع التراب علی الرأس کما فی خبر عمر، والصیاح کما فی خبر حمنة بنت جحش وضرب الصدر فی النیاحة کما فی خبر عائشة وشق الثوب قبلا ودبرا والصیاح کما فی خبر نائلة زوجة عثمان کل ذلک مما لا یخرج الإنسان إلی الجزع ورد قضاء الله سبحانه.


1- الثابت الصحیح أن النبی  - صلی الله علیه وآله وسلم - مات فی حجر علی علیه السلام ولکن ذکر هذا الحدیث هنا من باب إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم.
2- مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص 274. مسند أبی یعلی الموصلی: ج 8، ص63. سیرة النبی لأبن هشام: ج 4، ص 1069.
3- الصحاح للجواهری: ج 5، ص 2029.
4- الطبقات الکبری: ج 3، ص 78. تاریخ مدینة دمشق: ج 39، ص 53.

ص: 68

ص: 69

البکاء والحزن فی المذاهب الإسلامیة

اشارة

ص: 70

ص: 71

أولا: مذهب الإمامیة الإثنی عشریة

اشارة

بالنسبة لمذهب أهل البیت علیهم السلام کان موقفهم معروفاً وواضحاً وقد صرح علماء المذهب الإمامی الاثنی عشری بجواز البکاء علی المیت عموماً وباستحبابه علی سید الشهداء علیه السلام علی وجه الخصوص. وبهذا الشأن وردت النصوص عن أئمة أهل البیت علیهم السلام، وصیغت علی وفقها فتاوی علماء المذهب الأعلام. ونحن هنا سنستعرض عدة من النصوص الشریفة فی خصوص البکاء علی الحسین علیه السلام ومن ثم نبیّن بعض فتاوی علمائنا الأعلام فی قضیة البکاء علی المیت عموما ومن ثم نستعرض مجموعة من فتاوی أهل السنة من غیر المذهب الإثنی عشری والتی تنص علی جواز البکاء علی المیت.

1. البکاء علی الحسین فی أحادیث أئمة أهل البیت علیهم السلام

فعن محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «کان علی بن الحسین علیهما السلام یقول: أیما مؤمن دمعت عیناه لقتل الحسین بن علی

ص: 72

علیهما السلام دمعة حتی تسیل علی خده بوأه الله بها غرفا یسکنها أحقابا، وأیما مؤمن دمعت عیناه حتی تسیل علی خده فینا لأذی مسنا من عدونا فی الدنیا بوأه الله بها فی الجنة مبوأ صدق، وأیما مؤمن مسه أذی فینا فدمعت عیناه حتی تسیل علی خده من مضاضة ما أوذی فینا صرف الله عن وجهه الأذی وآمنه یوم القیامة من سخطه والنار»(1).

وعن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: «إن البکاء والجزع مکروه للعبد فی کل ما جزع ما خلا البکاء والجزع علی الحسین بن علی علیهما السلام فإنه فیه مأجور»(2).

وفی تفسیر الإمام العسکری علیه السلام: عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: «ألا صلی الله علی الباکین علی الحسین علیه السلام والمقیمین عزاءه. ألا وصلی الله علی من بکی علی الحسین رحمة وشفقة... إن الملائکة یأخذون الدموع المصبوبة لقتل الحسین ویلقونها إلی الخزان فی الجنان، فیمزجونها بماء الحیوان فتزید عذوبتها وطیبها ألف ضعف»(3).

وتبعاً لهذه الروایات وغیرها مما لم نذکره اختصارا أفتی علماء المذهب الاثنی عشری: بجواز البکاء علی الحسین علیه السلام وأهل بیته وباقی الأئمة المعصومین علیهم السلام علی وجه الخصوص.


1- وسائل الشیعة: ج 14، ص 501، تحقیق ونشر مؤسسة آل البیت - قم المشرفة.
2- المصدر السابق: ص507.
3- مستدرک سفینة البحار: ج 7، ص 211، للشیخ علی النمازی.

ص: 73

2. البکاء علی المیت فی فتاوی علماء الدین

فقد جاء فی المبسوط للشیخ الطوسی رحمه الله: «البکاء لیس به بأس، وأما اللطم والخدش وجز الشعر والنوح فإنه کله باطل محرم إجماعاً...»(1) هذا القول فی عموم موتی المسلمین باستثناء الحسین علیه السلام ومصیبته.

وعن ابن إدریس الحلی مثله(2)، وعن المحقق الحلی فی المعتبر قال: «عن أبی عبد الله - الصادق - علیه السلام قال: إن إبراهیم خلیل الرحمن سأل ربه أن یرزقه ابنة تبکیه بعد موته. ولان فی البکاء تخفیفاً من الحزن وتسکینا من اللوعة والأصل جوازه... ویجوز النیاحة علی المیت بتعداد فضائله من غیر تخط إلی کذب ولا تظلم ولا تسخط... لنا - أی حجتنا علی جواز ذلک - ما روی أن فاطمة علیها السلام کانت تنوح علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم... والجواب عما ذکروه من الحدیث(3) أنه یمکن أن یکون أشارة إلی النوح الذی یتضمن جزعاً وسخطاً، أو قولاً باطلاً، لکن لیس مطلق النوح کذلک، وإنما نبیح منه ما یتضمن ذکر خصائصه - خصائص المیت - وفضائله وفواضله وحکایة التألم بفقده، وهذا لا یتضمن ما ذکروه...»(4).


1- المبسوط للشیخ الطوسی، ج 1، ص 189.
2- السرائر لابن إدریس الحلی، ج1، ص 173.
3- أی الجواب عن اعتراض بعض فقهاء المذاهب الأخری من النهی عن البکاء تمسکا ببعض الأحادیث.
4- المعتبر للمحقق الحلی، ج 1، ص 344 و ص 345.

ص: 74

وممن قال بجواز البکاء وعدم کراهته سواء قبل خروج الروح أو بعدها، العلامة الحلی رحمه الله تعالی(1)، ومن الفقهاء المتأخرین نذکر علی سبیل المثال الشیخ لطف الله الصافی حیث قال : «یجوز البکاء علی المیت بل قد یستحب عند اشتداد الحزن والوجد، ولکن لا یقول ما یسخط الرب، وکذا یجوز النوح علیه بالنظم والنثر إذا لم یشتمل علی الباطل من الکذب وسائر المحرمات، بل ولم یشتمل علی الویل والثبور علی الأحوط»(2)، ومثله ما فی هدایة العباد للسید الکلبایکانی(3).

وقد نص فقهاؤنا قدیماً وحدیثاً علی وجود خصوصیة زائدة لمصائب أهل البیت علیهم السلام ومن ضمنها مصیبة سید شباب أهل الجنة علیه السلام حیث أفتی جمع کبیر منهم برجحان البکاء علیهم. وممن أفتی بذلک الشیخ جواد التبریزی علی سبیل المثال بما نصه: «البکاء الشدید والإبکاء المثیر من الأمور المستحبة التی دلت علی رجحانها النصوص الکثیرة... کل الجزع والبکاء مکروه ما خلا الجزع والبکاء لقتل الحسین والله العالم»(4).


1- منتهی المطلب للعلامة الحلی: ج 1، ص 466.  تذکرة الفقهاء له أیضاً: ج2، ص118.
2- هدایة العباد للشیخ لطف الله الصافی: ج 1، ص 75. المسألة 435.
3- ج 1، ص 89، المسألة 435.
4- صراط النجاة للمیرزا جواد التبریزی: ج 3، ص 443.

ص: 75

ثانیاً: البکاء علی الأموات فی المذهب الشافعی

قال الشافعی فی کتاب الأم: «وأکره(1) النیاحة علی المیت بعد موته... وأرخص فی البکاء بلا أن یتأثرَ ولا أن یعلنَّ إلا خیراً ولا یدعونَ بحرب قبل الموت فإذا مات أمسکْنَ...»(2).

وذهب إسماعیل المزنی إلی ما ذهب إلیه الشافعی من جواز البکاء قبل خروج الروح أما بعدها فلا جواز(3).

وقال عبد الکریم الرافعی فی فتح العزیز: «الثالثة: البکاء علی المیت جائز قبل زهوق الروح وبعده وقبل الزهوق أولی... والندب حرام وهو أن یعدد شمائل المیت فیقال وا کهفاه، وا جبلاه ونحو ذلک، وکذا النیاحة والجزع بضرب الخد وشق الثوب ونشر الشعر کل ذلک حرام»(4).

وقال محیی الدین النووی: «البکاء علی المیت جائز قبل الموت وبعده وقبله أولی والندب حرام... والنیاحة حرام والجزع بضرب الخد وشق الثوب ونشر الشعر حرام، وإذا فعل أهل البیت شیئاً من ذلک لا یعذب المیت، والحدیث فیه(5) متأول ع_لی م_ن أوصی بالنیاحة علیه»(6).


1- لفظ أکره لا یدل علی الحرمة بل یدل علی الجواز لکنه جواز علی کراهة.
2- کتاب الأم للشافعی: ج 1، ص 318.
3- مختصر المزنی: ص 39.
4- فتح العزیز: ج 5، ص 254.
5- الحدیث فی أن المیت یعذب ببکاء أهله علیه.
6- روضة الطالبین محی الدین النووی: ج 1، ص 665.

ص: 76

وقال محمد بن الشربینی: «صرح القاضی حسین فقال یستحب - أی البکاء - إظهاراً لکراهة فراقه - فراق المیت - وعدم الرغبة فی ماله... ویجوز بعد الموت أیضاً ولو بعد الدفن، لأنه صلی الله علیه وآله وسلم بکی علی ولده إبراهیم قبل موته... وبکی علی قبر بنت له وزار قبر أمه فبکی وأبکی من حوله... قال السبکی: وینبغی أن یقال إذا کان للرقة علی المیت وما یخشی علیه من عقاب الله تعالی وأهوال یوم القیامة فلا یکره ولا یکون خلاف الأولی، وإن کان - البکاء - للجزع وعدم التسلیم للقضاء فیکره أو یحرم. قال الزرکشی: هذا کله فی البکاء بصوت أما مجرد دمع العین فلا منع منه»(1).

ثالثاً: البکاء علی المیت فی المذهب المالکی

قال جلال الدین السیوطی: «إن المیت لیعذب ببکاء الحی قال النووی فأوله الجمهور علی من أوصی أن یبکی علیه ویناح بعد موته... وقالت طائفة إنه یعذب بسماعه بکاء أهله ویرق لهم وإلیه ذهب ابن جریر ورجحه القاضی عیاض وقالت عائشة معناه أن الکافر یعذب فی حال بکاء أهله علیه بذنبه لا ببکائهم قال والصحیح قول الجمهور وأجمعوا علی أن المراد بالبکاء بصوت ونیاحة لا مجرد دمع العین»(2).


1- مغنی المحتاج لمحمد الشربینی: ج1، ص 355 و 356.
2- تنویر الحوالک لجلال الدین السیوطی: ص 243.

ص: 77

وقال الحطاب الرعینی: «البکاء جائز من غیر نیاحة وندب والجزع وضرب الخد وشق الثوب حرام»(1).

وقال الدسوقی: «والحاصل أن البکاء یجوز عند الموت وبعده بقیدین، عدم رفع الصوت وعدم قول القبیح، وأما معهما أو مع أحدهما فهو حرام کما یحرم اللطم علی الصواب، ومحل جواز البکاء بالقیدین المذکورین إن لم یجتمعوا له وإلا کره»(2).

رابعاً: جواز البکاء فی المذهب الحنفی

قال أبو بکر الکاشانی: «ویکره النوح والصیاح فی الجنازة ومنزل المیت... فأما البکاء فلا بأس به لما روی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنه بکی علی ابنه إبراهیم...»(3).

وقد عقد الماردینی فی الجوهر النقی باباً أسماه «باب الرخصة فی البکاء بلا ندب ولا نیاحة» فراجع(4).

وقال ابن نجیم المصری: «فأما البکاء فلا بأس به»(5).


1- مواهب الجلیل للحطاب الرعینی: ج 3، ص 47.
2- حاشیة الدسوقی: ج 1، ص 422.
3- بدائع الصنائع لأبی بکر الکاشانی: ج 1، ص 310.
4- الجوهر النقی: ج4، ص 68.
5- البحر الرائق ابن نجیم المصری: ج 2، ص 337.

ص: 78

خامساً: جواز البکاء فی المذهب الحنبلی

قال عبد الله بن قدامة فی المغنی: «والبکاء غیر مکروه إذا لم یکن معه ندب ولا نیاحة أما البکاء بمجرده فلا یکره فی حال... وأما الندب فهو تعداد محاسن المیت وما یلقون بفقده... والنیاحة وخمش الوجوه وشق الجیوب وضرب الخدود والدعاء بالویل والثبور، فقال بعض أصحابنا هو مکروه ونقل حرب عن أحمد کلاماً فیه احتمال إباحة النوح والندب اختاره الخلال وصاحبه واثلة بن الاسقع وأبو وائل کانا یستمعان النوح ویبکیان، وقال أحمد: إذا ذکرت المرأة مثل ما حکی عن فاطمة - بنت النبی الأعظم علیها السلام - فی مثل الدعاء لا یکون مثل النوح یعنی لا بأس به، وروی عن فاطمة رضی الله عنها أنها قالت: یا أبتاه، من ربه ما أدناه یا أبتاه جبرائیل نعاه، یا أبتاه أجاب ربا دعاه...»(1). وقال عبد الرحمن بن قدامة: «ویجوز البکاء علی المیت وأنْ یجعل المصاب علی رأسه ثوباً لیعرف به لیعزی، والبکاء بمفرده لا یکره فی حال...»(2).

وقال البهوتی: «ولا یکره البکاء... علی المیت قبل الموت وبعده لکثرة الأخبار بذلک... وذکر الشیخ تقی الدین فی التحفة العراقیة: البکاء علی المیت علی وجه الرحمة حسن مستحب وذلک لا ینافی الرضا بخلاف البکاء علیه لفوات حظه منه...»(3).


1- المغنی لعبد الله بن قدامة: ج 2، ص 410 و 411.
2- الشرح الکبیر لعبد الرحمن بن قدامة: ج 2، ص 429.
3- کشف القناع للبهوتی: ج 2، ص 188.

ص: 79

رد ادعاء تحریم البکاء علی موتی المسلمین

اشارة

ص: 80

ص: 81

 

لعلم الحدیث والروایة منافع جمة لا تحصی شأنه شأن کثیر من العلوم، فالرواة هم من حفظ لنا أخبار السابقین وأحادیثهم من خلال نقل أقوالهم وأفعالهم، ولولا هؤلاء الرواة لما عرفنا شیئاً عن السنة المحمدیة والرسالة الإسلامیة، فمن خلالهم استطعنا التعرّف علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم ورسالته وأقوال الأئمة الطاهرین علیهم السلام، وکلما ابتعدت الأمة عن عصر النص ازدادت أهمیة الرواة والروایة، إلا أن العوامل التی منعت کتابة الروایة وانتشارها حالت دون وصول کثیر مما تحتاجه الأمة الإسلامیة فی حیاتها الدینیة والدنیویة، ومن أهم هذه العوامل العامل السیاسی الذی عصف بالکم الهائل من روایات النبی صلی الله علیه وآله وسلم التی لو وصلت إلینا کما صدرت عن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم لبان الحق وانتشرت الحقیقة.

ص: 82

فعظمت الحاجة إلی الراوی والروایة یوماً بعد یوم وسنة بعد سنة، فکلما ابتعدنا عن عصر النبوة کلما احتجنا لمعرفة المزید من الأخبار والروایات التی من خلالها یستطیع الناس إیجاد الحلول المناسبة والأجوبة الشافیة المتناسبة مع أقوال النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأفعاله.

ولکن الطریق للوصول إلی الروایة الصحیحة والتحلیل النزیه والموقف الحقیقی لم یکن متاحاً ولم یکن سهلاً، لأن الأهواء والأطماع وحب الدنیا والکذب وشراء ضمائر کثیر من الرواة بالمال والجاه حال فی کثیر من الأحیان دون الوصول إلی القول السدید الصادر عن الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم.

فشوهت الحقیقة وکثر الکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد وفاته رغم تحذیراته صلی الله علیه وآله وسلم ونهیه عن ممارسة هذه الرذیلة کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «من کذب علی متعمداً فلیتبوأ مقعده من النار»(1)، فکانت هذه الآفة من أخطر الآفات التی ساعدت علی انحراف الأمة عن مسارها المستقیم الذی رسمه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.


1- مسند احمد بن حنبل: ج 1، ص 78، وج 5 ص 292. وسنن الدارمی: ج 1، ص76. وشرح مسلم للنووی: ج 1، ص 56.

ص: 83

والآفة الأخری التی أسهمت فی تشویه الحقیقة أیضاً هی سقوط الکثیر من الرواة فی وهم الإحاطة بالحدیث الشریف حیث یسمع الراوی نصف الحدیث الشریف دون أن یسمعه کله کما صدر عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، فنراه تارة یسمع مقدمة الحدیث ولا یسمع ذیله فیتوهم أنه سمع الحدیث بأکمله، فینقله للناس کما سمعه ناقصاً لا کما قاله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وهناک آفة ثالثة وهی استماع الحدیث المنسوخ دون الحدیث الناسخ کما حصل فی کثیر من الأحادیث حیث کان النبی صلی الله علیه وآله وسلم یأمر بشیء فی حدیث معین ثم ینهی عنه فی حدیث آخر والراوی لا یعلم بذلک النهی أو بالعکس فیقع الراوی فی لبس وخلط خطیرین یؤدیان إلی ضیاع النص الذی یجب أن یتعبد به.

فإذا أصیب الحدیث أو الروایة بإحدی هذه الآفات الثلاث خرجت الحقیقة مشوهة علیلة، بل قد یصل الأمر إلی ضیاعها وطمسها فی الباطل فتقع الأمة فی الحیرة والضلال. وهذا ما حصل بعینه للروایات التی وردت فی البکاء علی المیت حیث وردت روایات تنهی عن البکاء علی المیت وتشیر إلی عذابه بفعل غیره دون ذنب اقترفه سوی أنه میت بکی لفقده الباکون، وحزن لبعده الأحبة.

ص: 84

محاکمة علمیة

اشارة

لقد وردت بعض الروایات التی تنهی عن البکاء علی المیت وهی لا تخرج عن أحد احتمالین، أو أحد حالتین من الحالات الثلاث التی بیناها سابقاً.

الاحتمال الأول

إنها روایات مکذوبة علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم ویستدل علی کذبها بما یلی:

أولا: إنها مخالفة لظاهر الکتاب الکریم والقرآن الحکیم الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه، ولا خلاف بین المسلمین فی أن من خالف کتاب الله عز وجل ونهی عما أحله أو عارض ما أجازه حقیق بأن لا یقبل منه نهی ولا معارضة، ولا یقبل منه قول ولا حجة، کما فی الحدیث الوارد عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم: «فانظروا ما واطأ کتاب الله فخذوه وما خالف کتاب الله فدعوه»(1).

وسنستعرض أولا الروایات التی صرحت بعذاب المیت بسبب بکاء أهله وأحبته:

الروایة الأولی: عن عبد الله بن عمر قال: «...وإن المیت یعذب ببکاء أهله علیه...»(2).


1- المصنف للصنعانی: ج 6، ص 112، وج 10، ص 313.
2- البخاری: ج 2، ص 85.  وصحیح مسلم: ج 3، ص 41.

ص: 85

الروایة الثانیة: عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال: «... المیت یعذب فی قبره بما نیح علیه»(1).

الروایة الثالثة: عن عمر قال: «من یبک علیه یعذب»(2).

الروایة الرابعة: عن عمر بن الخطاب قال: «... إن المیت لیعذب ببعض بکاء أهله...»(3).

وأما وجه مخالفة هذه النصوص لآیات الله فی کتابه العزیز هی ان القرآن صرح فی مواضع عدیدة وآیات کثیرة بأن الإنسان مسؤول عن أفعال نفسه لا عن أفعال غیره، فهو یعذب ویثاب علی ما اقترفته یداه وباشره بنفسه کما فی قوله تعالی: ((قُلْ أَغَیْرَ اللَّهِ أَبْغِی رَبًّا وَهُوَ رَبُّ کُلِّ شَیْءٍ وَلَا تَکْسِبُ کُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَیْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَی ثُمَّ إِلَی رَبِّکُمْ مَرْجِعُکُمْ فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ))(4).

قال ابن کثیر فی تفسیره: «ولا تکسب کل نفس إلا علیها ولا تزر وازرة وزر أخری إخبار عن الواقع یوم القیامة فی جزاء الله تعالی وحکمه وعدله أن النفوس إنما تجازی بأعمالها إن خیراً فخیر وإن شراً فشر وإنه لا


1- صحیح مسلم: ج 3، ص 41.
2- کنز العمال للمتقی الهندی: ج 12، ص 688.
3- صحیح مسلم: ج 3، ص 43.
4- سورة الأنعام، الآیة: 164.

ص: 86

یحمل من خطیئة أحد علی أحد وهذا من عدله تعالی کما قال «وإن تدع مثقلة إلی حملها لا یحمل منه شیء ولو کان ذا قربی» وقوله تعالی «فلا یخاف ظلماً ولا هضما» قال علماء التفسیر أی فلا یظلم بأن یحمل علیه سیئات غیره ولا تهضم بأن ینقص من حسناته...»(1).

وقال الشوکانی فی فتح القدیر: «قوله ولا تکسب کل نفس إلا علیها أی لا یؤاخذ مما أتت من الذنب وارتکبت من المعصیة سواها فکل کسبها للشر علیها لا یتعداها إلی غیرها»(2).

وأخرج ابن أبی حاتم عن قتادة فی قوله «ولا تزر وازرة وزر أخری» قال لا یحمل الله علی عبد ذنب غیره ولا یؤاخذه بعمله(3).

وبالجملة فإن روایات تحریم البکاء معارضة ومخالفة لآیات أخری عدیدة من القرآن الکریم لم نذکرها طلباً للاختصار، ویؤید کذب روایات النهی عن البکاء ما جاء عن ابن عباس حینما قیل له إن فلاناً نهی عن المتعة فقال: «انظروا فی کتاب الله فإن وجدتموها فیه فقد کذب علی الله وعلی رسوله وإن لم تجدوها فقد صدق»(4)، ونحن لو طبقنا هذه القاعدة وفتشنا عن قول منکری البکاء وأن المیت یعذب ببکاء من یبکی علیه من


1- تفسیر ابن کثیر: ج 2، ص 207.
2- فتح القدیر للشوکانی: ج 2، ص 186.
3- الدر المنثور للسیوطی: ج 3، ص 67.
4- المغنی لعبد الله بن قدامة: ج 3، ص 238. والشرح الکبیر لعبد الله بن قدامة: ج3، ص238.

ص: 87

أهله لوجدناها مفقودة من الکتاب العزیز، بل لوجدنا أن المذکور فی القرآن علی خلاف ما أدعوه، فلا نتحرج حینئذٍ أن نقول بکذب هذه الأخبار علی الله وعلی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم، ولا ذنب لنا فی تکذیبها فنحن نتبع سنة صحابی جلیل عرف فضله جمیع المسلمین وهو ابن عباس رضی الله تعالی عنه.

ثانیاً: ومما یؤکد لنا کذب هذه الروایات هو أنها مخالفة لسنن الأنبیاء العظام فقد أوضحنا فی هذا الکتاب أن الحزن والبکاء کان شعار الأنبیاء العظام، وسنة من سننهم، وقد بکی آدم علیه السلام علی ولده هابیل الذی قتل ظلماً بید أخیه قابیل، فمن غیر المعقول أو المقبول أن یقوم هؤلاء العظماء بفعل شیء یجلب علیهم الضرر فی دینهم ویفعلوا ما یجلب السوء والعذاب لأعزائهم من الأموات.

فالبکاء والحزن سنة من سنن الأنبیاء علیهم السلام فلا ینبغی لعاقل أن یزهد فی سننهم ألا أن یکون سفیها نفسه ناقصا عقله بشهادة قوله تعالی: ((وَمَنْ یَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِیمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ...))(1)، وقال تعالی: ((أُولَئِکَ الَّذِینَ آَتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ یَکْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَکَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَیْسُوا بِهَا بِکَافِرِینَ (89) أُولَئِکَ الَّذِینَ هَدَی اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ...))(2). فنحن


1- سورة البقرة، الآیة: 130.
2- سورة الأنعام، الآیة: 89  - 90.

ص: 88

مأمورون بأن نقتدی بسننهم وبهداهم علیهم السلام ومن سننهم البکاء علی الأموات کما بکی آدم علی ابنه أربعین سنة کما تقدم سابقا، ومأمورون کذلک أن نعدّ سننهم وأقوالهم وأفعالهم بمنزلة سنة النبی الأعظم محمد صلی الله علیه وآله وسلم لأنها سنة واحدة کما یدل علیه قوله تعالی:

((قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَیْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَی إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِیَ مُوسَی وَعِیسَی وَمَا أُوتِیَ النَّبِیُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ))(1)، وقوله تعالی: ((قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَیْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَی إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِیَ مُوسَی وَعِیسَی وَالنَّبِیُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ))(2).

ثالثاً: إن هذه الروایات المانعة عن البکاء معارضة لسنة النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم القطعیة الصدور والتی تواترت عنه لفظاً أو معنی، فقد تبین لک مما نقلناه فیما سبق بکاء الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم علی أصحابه وبعض أولاده وبناته وعلی عمه حمزة


1- سورة البقرة، الآیة: 136.
2- سورة آل عمران، الآیة: 84.

ص: 89

وعلی ابن عمه جعفر بن أبی طالب وعلی إبراهیم ولده وفلذة کبده وما لم نذکره أکثر وأکثر، فلو صح حدیث النهی عن البکاء وأن المیت یعذب ببکاء أهله علیه، لکان النبی صلی الله علیه وآله وسلم سبباً وأداة لتعذیب الصالحین من أهل بیته والعیاذ بالله ولکان حمزة عمه وإبراهیم ابنه وجعفر ابن عمه یتقلبون فی العذاب یصب علیهم صباً والنبی صلی الله علیه وآله وسلم یبکی غیر مکترث لما یصیبهم، وغیر حافل بالعذاب الذی یتعرض إلیه هؤلاء بسبب بکائه، نعوذ بالله من الخطل ومقالة السوء.

ویحق لنا أن نتساءل أکان النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم یعلم أن بکاءه یسبب لهؤلاء الأطهار الذین بکی علیهم الألم والعذاب أم لا؟.

فإن قلتم نعم کان یعلم بأنهم یعذبون بسبب بکائه علیهم وهو مع ذلک مستمر بالبکاء، قلنا إن هذا الأمر قبیح للغایة ویستحیل أن یصدر من شخص الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وهو عین الرحمة والشفقة، فضلاً عن قبح البکاء الذی یکون سبباً فی عذاب الآخرین فهو فعل بعید عن الأخلاق السامیة بل هو غلظة فی القلب وقسوة فی الطبع، وهذا منفی عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی قوله تعالی:

((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکََ))(1)،


1- سورة آل عمران، الآیة 159.

ص: 90

وهو أیضا مخالف لما علیه صلی الله علیه وآله وسلم من خلق عظیم شهد به خالقه سبحانه وتعالی فی قوله: ((وَإِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ))(1).

وإن قلتم لا فالنبی صلی الله علیه وآله وسلم لا یعلم بأن أولئک الموتی یعذبون ببکائه قلنا الحمد لله فبهذا یثبت أن تلک الأحادیث الواردة فی النهی عن البکاء وأن المیت یعذب ببکاء أهله لا صلة لها بالنبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ولا علم له بها بل هی مما کذب علیه ولفقت علی لسانه، لامتناع أن یقول النبی شیئاً ویخالفه فی الواقع ولا یعلمه فی مقام العمل والتطبیق.

رابعاً: ومما یؤکد اختلاق روایات تحریم البکاء وکذبها وعدم واقعیتها وارتباطها بالرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم، بل هی انعکاس لنفسیة الراوی والمحدث، أطرّها الراوی وزخرفها بصورة ورتشها برتوش شرعیة لیضفی علیها صبغة إسلامیة إلزامیة عن طریق نسبتها لشخص النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم.

وهذا الکلام لیس من القول الجزاف لما له من دلیل نستعرضه فیما یلی:

ولکن لابد أولاً أن نعرف من هو المصدر الأساس لروایات تحریم البکاء علی موتی المؤمنین؟ والجواب هو انه قد اعترف غیر واحد بأن


1- سورة القلم، الآیة 4.

ص: 91

مصدر تلک الروایات هو عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر کما عن النووی فی شرحه لصحیح مسلم حیث قال: «إن المیت لیعذب ببکاء أهله علیه وفی روایة ببعض بکاء أهله علیه وفی روایة ببکاء الحی وفی روایة یعذب فی قبره بما نیح علیه وفی روایة من یبک علیه یعذب وهذه الروایات من روایة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله...»(1).

ومن المقطوع به أن عبد الله قد أخذ حدیثه عن أبیه عمر بن الخطاب فیصبح المصدر الوحید الناقل لروایات البکاء وأن المیت یعذب ببکاء أهله هو عمر بن الخطاب.

وإذا عرفنا مصدر تلک الروایات لابد أن نرجع قلیلاً لنری ما هو المزاج الشخصی لعمر بن الخطاب تجاه قضیة البکاء؛ لأن فی معرفتنا هذه نعرف سبب خلق هذه الروایات فالذی یظهر من الروایات الآتیة أن البکاء لا ینسجم مع ذوق عمر بل یسبب له إزعاجا نفسیا کما روی فی مسند أحمد بن حنبل: «...فلما ماتت زینب ابنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: الحقی بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون فبکت النساء فجعل عمر یضربهن بسوطه فأخذ رسول الله بیده وقال مهلاً یا عمر. ثم قال صلی الله علیه


1- شرح مسلم: ج 6، ص 228. دفع شبه التشبیه بأکف التنزیه لابن الجوزی الحنبلی: ص 34، تحقیق حسن السقاف.

ص: 92

وآله وسلم: ابکین، وإیاکن ونعیق الشیطان فإنه مهما یکن من القلب والعین فمن الله والرحمة ومهما یکن من الید واللسان فمن الشیطان»(1).

وعن أبی هریرة قال: «مر علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جنازة معها بواک فنهرهن عمر فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: دعهن فإن النفس مصابة والعین دامعة والعهد حدیث»(2).

وعن أبی هریرة قال: «مات میت من آل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاجتمع النساء یبکین علیه فقام عمر ینهاهن ویطردهن، فقال رسول الله دعهن یا عمر فان العین دامعة والقلب مصاب والعهد قریب»(3).

ومما یدل علی أن منع عمر بن الخطاب کان منعاً مزاجیاً ولیس منعاً شرعیاً ما رواه عبد الله بن عکرمة بقوله: «عجباً لقول الناس إن عمر بن الخطاب نهی عن النوح، لقد بکی علی خالد بن الولید بمکة والمدینة نساء بنی المغیرة سبعاً یشققن الجیوب ویضربن الوجوه وأطعموا الطعام تلک الأیام حتی مضت ما ینهاهن عمر»(4).


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 237. المستدرک علی الصحیحین: ج3، ص190.
2- مسند احمد، ج 2، ص 333.
3- سنن النسائی، ج 4، ص 19.
4- کنز العمال، ج 15، ص 731، حدیث رقم 42908.

ص: 93

فالتناقض هنا واضح فتارة یضرب بالسوط ویرمی بالحجر ویحثو بالتراب کل من یبکی(1)، وتارة یترک النساء یبکین سبعة أیام ویشققن الثیاب ویضربن الوجوه ویطعمون الطعام، وهذا إن دل علی شیء فإنه یدل علی أن عمر بن الخطاب لم یکن یتحرک من وحی النصوص الشرعیة بل من وحی المزاج الشخصی فالوقت الذی یصفو فیه مزاج الخلیفة یسمح بالبکاء والوقت الذی یکون فیه عکر المزاج یعاقب علی البکاء ویضرب.

الاحتمال الثانی

لو تغاضینا عن کل ما سبق ولم نقل إن روایات النهی عن البکاء هی من قسم المکذوب علی النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم فلابد أن تکون من ضمن القسم الثانی الذی بیناه سابقاً، وهو قسم التوهم فی نقل الروایة وحفظها وسماعها، وعلیه یصبح عمر بن الخطاب سمع من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جزءاً من الحدیث دون التکملة فرواه علی نقصه وبنی علیه بنیانه ظناً منه أنه یتبع أثر الرسول الأعظم ویسیر بسنته.

وهذا الرأی له أیضاً مؤیدات مقبولة ومن هذه المؤیدات روایة عائشة بنت أبی بکر حینما ذکر لها نهی عمر عن البکاء علی المیت وأنه


1- صحیح البخاری، ج2، ص 85.

ص: 94

یعذب ببکاء أهله علیه فقالت: «أما والله ما تحدثون هذا الحدیث عن کاذبین مکذبین ولکن السمع یخطئ، وإن لکم فی القرآن لما یشفیکم ألا تزر وازرة وزر أخری ولکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: إن الله لیزید الکافر عذاباً ببکاء أهله علیه»(1).

وقد ذکر لعائشة أن عبد الله بن عمر یقول إن المیت لیعذب ببکاء الحی، فقالت عائشة: «یغفر الله لأبی عبد الرحمن أما أنه لم یکذب ولکنه نسی أو أخطأ إنما مر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی یهودیة یبکی علیها فقال: إنهم لیبکون علیها وإنها لتعذب فی قبرها»(2).

وفی روایة ثالثة عنها أیضاً: «یرحمه الله لم یکذب ولکنه وهم، إنما قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لرجل مات یهودیاً إن المیت لیعذب وإن أهله لیبکون علیه»(3).

وعلی أی حال فإذا کان عمر وابنه عبد الله قد نسیا أو توهما أو کذبا وافتعلا الحدیث فإنه لا یمکن الاستدلال بهذه الأحادیث علی النهی عن البکاء فهی إما مردودة وإما مؤولة فیها احتمالات شتی وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال.


1- سنن النسائی: ج 4، ص 19.
2- صحیح مسلم: ج 3، ص 45.
3- سنن الترمذی: ج 2، ص 236.

ص: 95

جواز البکاء والجزع علی الحسین علیه السلام

ص: 96

ص: 97

من بعد استعراضنا تاریخ الحزن والبکاء سواء فی عصور الأنبیاء علیهم السلام أو فی عصر نبوة الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم، یصبح لیس بمستهجن ولا بمستغرب جواز الحزن لسید شباب أهل الجنة علیه السلام وإجراء الدمع الغزیر علی مصیبته التی أبکت السماء دماً، واقرحت عین الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم کما سیأتی.

وبالرغم من کفایة ما أوردناه سابقاً کدلیل علی جواز البکاء والحزن بشکل عام والذی یمکن أن یستفاد منه فی الاستدلال علی جواز الحزن والبکاء علی الإمام الحسین علیه السلام، إلا أننا وإتماماً للفائدة وزیادة للحجة علی المنکرین سنورد بعض الأدلة التی تصحح هذا الفعل الشریف الواقع من قبل أتباع مذهب أهل البیت علیهم السلام.

الدلیل الأول: إن الحزن والبکاء علی الحسین علیه السلام سنة قام النبی صلی الله علیه وآله وسلم بفعلها، فیکون مشمولاً حینئذ بتلک

ص: 98

السنن التی نهی النبی صلی الله علیه وآله وسلم عن ترکها بقوله: «فمن رغب عن سنتی فلیس منی»(1). وهو أیضاً مشمول بقول أبی بکر: «لست تارکاً شیئاً کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعمل به إلا عملت به فانی أخشی إن ترکت شیئاً من أمره أن أزیغ(2)...»(3). والشیعة أیضاً تخشی إن ترکت البکاء علی الحسین والحزن لأجله أن تزیغ وتمیل عن الحق لأنهم حینئذ سیترکون سنة نبویة شریفة.

ومما یدل علی أن الحزن والبکاء علی الحسین علیه السلام سنة نبویة مستحبة ما روته کل الفرق والمذاهب الإسلامیة،و من تلک الروایات ما عن أم سلمة أنها قالت: «کان الحسن والحسین یلعبان بین یدی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی بیتی فنزل جبرائیل فقال یا محمد إن أمتک تقتل ابنک هذا من بعدک فأومأ بیده إلی الحسین، فبکی رسول الله ووضعه علی صدره...»(4).

وفی روایة ثانیة إنها رحمها الله سمعت نشیج رسول الله وهو یبکی، فاطلعت علیه فإذا الحسین فی حجره والنبی صلی الله علیه وآله وسلم


1- فتح الباری لابن حجر ج3 ص210 الطبعة الثانیة دار المعرفة للطباعة والنشر.
2- أن أزیغ أی أن أمیل وأعدل عن الحق.
3- صحیح البخاری: ج 4، ص 42. وصحیح مسلم: ج 5، ص 155.
4- المعجم الکبیر للطبرانی: ج 3، ص 108، تحقیق حمدی عبد المجید السلف الطبعة الثانیة، الناشر مکتبة ابن تیمیة - القاهرة، ط دار إحیاء التراث العربی.

ص: 99

یمسح جبینه وهو یبکی(1).

وفی روایة ثالثة عنها رضی الله عنها قالت: «إن الحسین علیه السلام دخل علی رسول الله ففزع، فقالت أم سلمة مالک یا رسول الله قال: إن جبرائیل أخبرنی إن ابنی هذا یقتل وانه اشتد غضب الله علی من یقتله»(2).

ولو لا خوف الإطالة لاستعرضنا للقارئ الکریم عشرات المصادر التی تتضافر بمجموعها علی أن أول الباکین علی الحسین فی الإسلام هو النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وأن أول مجلس عقد للبکاء هو فی بیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم. وأول من خطب خطبة فی جماعة من الناس هو جبرائیل الذی کان یروی قصة الفاجعة والنبی یبکی، فیاله من خطیب! ویالها من خطبة! ویاله من حضور مقدس! فتأمل.

الدلیل الثانی: إن البکاء والحزن والجزع علی مصیبة سید الشهداء هو من قبیل إظهار الرحمة لمصابه علیه السلام، فالنبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم کما عرفنا فیما مر سابقا بکی علی بنت موءودة ألقیت


1- نفس المصدر السابق: ج3، ص 108. ترجمة الإمام الحسین لابن عساکر: ص258.
2- کنز العمال للمتقی الهندی: ج12،ص127. تاریخ مدینة دمشق: ج14،ص193.

ص: 100

فی البئر فی زمن الجاهلیة حتی جری دمع عینیه علی لحیته المقدسة، فکیف به یا تری وهو یری موءودة آل محمد(1) قد فعل به ما فعل، من قطع رأسه وخنصره، وسلب ثیابه ورفع رأسه علی الرمح، وسبی حریمه وقتل أهل بیته بتلک الصورة المریعة وهو مع ماله من قدر ومنزلة وعلو شأن.

فالشیعی من فرط حبه للحسین علیه السلام صار لما یسمع مصیبته لا یمسک دموع عینیه رحمة وشفقة لمصابه، وحزناً علی ما ناله من أعدائه، ولهم فی رقة القلب هذه وفی الرحمة والشفقة تلک أسوة حسنة برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

الدلیل الثالث: قد عرفنا فیما مر أن من مجوزات البکاء والحزن والجزع الذی لا یخرج الإنسان الباکی عن الحق هو کون ذلک المیت له خصوصیة معینة کأن یکون شهیداً أو غریباً أو مقتولاً بطریقة غیر اعتیادیة.

والحسین علیه السلام قد اجتمعت فیه کل هذه الأمور فهو شهید بل سید الشهداء وهو غریب بل غریب الغرباء، وهو المقتول بطریقة أبشع بکثیر من تلک التی قتل فیها حمزة بن عبد المطلب علیه السلام، فحمزة لم یقطع رأسه ولا رفع علی الرماح ولا طافوا بعیاله ونسائه سبایا


1- روی عن أبی عبد الله علیه السلام فی قوله تعال: (( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ )) قال: «نزلت فی الحسین علیه السلام»، راجع کامل الزیارات لابن قولویه: ص 134.

ص: 101

فی البلدان ولا قتل أولاده وأهل بیته عطاشا واحدا تلو الآخر، والحسین علیه السلام قد فعل به کل ذلک.

فمثلما حق لأم سلمة أن تبکی وتجزع علی الولید بن الولید لأنه مات بأرض الغربة، حق لنا أن نبکی ونجزع أکثر وأشد علی الإمام الحسین علیه السلام، لأن غربته فاقت کل غربة، وحیرته اکبر من کل حیرة، ووحدته اشد من کل وحدة.

الدلیل الرابع: إن الکون کله قد تفاعل مع مصیبة الإمام الحسین علیه السلام، فقد ورد عن مصادر العامة والخاصة أن السماء بکت دماً یوم استشهد الحسین علیه السلام، وان السماء اسودت وظهرت الکواکب إلی غیر ذلک من الآیات الکونیة التی تحکی لنا الانسجام والتفاعل الکونی بمصیبة الحسین علیه السلام.

ومن تلک الأحداث الکونیة التی احتفظ بها التاریخ ما رواه ابن عساکر فی ترجمته للإمام الحسین سلام الله علیه من تاریخه نقلاً عن خلف بن خلیفة عن أبیه قال: «لما قتل الحسین اسودت السماء وظهرت الکواکب نهاراً حتی رأیت الجوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر»(1).

وعن عیسی بن الحارث الکندی قال: «لما قتل الحسین مکثنا سبعة


1- ترجمة الإمام الحسین لابن عساکر: ص 354، ومثله ما فی التهذیب لابن حجر: ج2، ص 305.

ص: 102

أیام إذا صلینا العصر نظرنا إلی الشمس علی أطراف الحیطان کأنها الملاحف المعصفرة، ونظرنا إلی الکواکب یضرب بعضها بعضاً»(1).

وعن ابن سیرین قال: «لم تبک السماء علی أحد بعد یحیی بن زکریا إلا علی الحسین بن علی»(2).

فإذا کانت السماء تبکی لفقد الحسین علیه السلام ولم یمنعها خالقها من ذلک وإذا کانت الکواکب یضرب بعضها بعضاً لما جری علی سید الشهداء وأهل بیته، وهی التی لم یخلق لها الله سبحانه إحساساً ولا شعوراً ولکنها مع ذلک تفاعلت مع الفاجعة، أفلا یحق لنا التفاعل والبکاء مع سید الشهداء ونحن بشر قد خلقنا من عاطفة وأحاسیس؟.


1- المعجم الکبیر للطبرانی: ج 3، ص 114. تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر: ج 14، ص 227.
2- تاریخ مدینة دمشق: ج 14، ص 225. شرح الأخبار للمغربی: ج 3، ص546.

ص: 103

متی منع البکاء علی الحسین علیه السلام؟ ولماذا؟

ص: 104

ص: 105

لم یکن الترویج للمنع من البکاء والحزن مصادفة من غیر میعاد، بل کان لهذا المنع جذور تاریخیة وسیاسیة وعصبیة، ولعل التثقیف علی حرمة البکاء علی الإمام الحسین علیه السلام له جذر تاریخی یبدأ منذ الأیام الأولی لرحیل النبی الأعظم صلوات الله علیه وعلی آله لأن أهل البیت علیهم السلام قد اتخذوا هذا الأسلوب - إعلان الحزن والبکاء - منهجاً للمواجهة مع الباطل وأهله، وقد نجحوا فیه أیما نجاح، فقد بکت الصدیقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام أیاماً ولیالی بعد موت أبیها المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم حزناً علی أبیها واحتجاجا علی غصب حقوق أهل البیت صلی الله علیه وآله وسلم، وعلی السیاسة الجائرة التی اتبعت ضدهم، وبالفعل کاد هذا البکاء یقوض أرکان تلک الدولة الفلتة، لولا إنهم عجلوا بقمع هذا الصوت الطاهر، وإخماد تلک الحسرات والدموع التی کانت تذرفها عینا الزهراء علیهما السلام.

فکل آهة من آهات الزهراء البتول علیهما السلام کانت تذکر الأمة بعظیم ما اقترفته تجاه هؤلاء الأطهار صلوات الله علیهم أجمعین، وکل

ص: 106

دمعة کانت تسکبها مقلتا فاطمة علیهما السلام أو الحسن والحسین وعلی علیهم السلام کانت بمنزلة أسفین یدقه أهل البیت علیهم السلام، لینفجر ویطیح بأرکان تلک الدولة الفلتة.

من هنا ولهذه الأسباب بدأ التثقیف وبشکل واسع ومنهجی ومنظم علی منع کل أنواع الاحتجاج ومنها الاحتجاجات التی یدخل البکاء والحزن عاملاً من عواملها، وقد لعب بیت مال المسلمین دوراً هاماً فی هذه القضیة، لأنه کان تحت أیدی المعارضین للبکاء، فصارت الروایات التی تمنع ظاهرة البکاء والحزن تکثر یوماً بعد یوم، وصارت الأحادیث تبتدع تارة لأجل عیون الخلیفة وأخری لأجل بیاض الدراهم والدنانیر، فوضعت الأحادیث وزورت الحقائق وخرج علی المسلمین جیل جدید من الروایات التی تمنع البکاء بکل أقسامه وأنواعه، واتخذت شتی الأعذار والطرق لمنعه، فتارة منع لأنه یؤذی المیت وأخری منع لأنه یؤذی الخلیفة ویعکر صفو مزاجه.

والعجیب فی الأمر أن البکاء قد منع بکل أصنافه وأنواعه وبالخصوص البکاء السیاسی الذی لا یرتاح إلی سماعه الخلیفة وأذنابه، وفی المقابل نراهم یبکون وینتحبون علی أمور تضحک الثکلی، فعلی سبیل المثال لا الحصر: إن عمر بن الخطاب أتی إلی زوجة أبی بکر بعد موته فسألها عن أعمال أبی بکر فی بیته، فقالت: ألا إنه کان فی کل لیلة

ص: 107

جمعة یتوضأ ویصلی ثم یجلس مستقبل القبلة ورأسه علی رکبتیه وتنفس الصعداء فیشم فی البیت روائح کبد مشوی، فبکی عمر وقال: أنی لابن الخطاب بکبد مشوی(1)، وفی روایة ثانیة: إن أبا بکر بعد أن کان یتم أکل الکبد المشوی کان یرفع رأسه إلی السماء ویتنفس الصعداء ویقول: أخ فیطلع الدخان من فمه، فیبکی عمر ویقول: کل شیء یقدر علیه عمر إلا الدخان(2).

فیالها من مصیبة تستحق البکاء من عمر! ویالها من صعوبة بالغة أن یخرج الإنسان من فمه الدخان بعد أکل الکبد المشوی!!.

ونحن نترک الکلمة الفاصلة للقارئ الکریم لیحکم بنفسه بین من یبکی علی کبدة مشویة أو یبکی لأنه لا یقدر أن یخرج الدخان أو البخار من فمه، وبین من یبکی تأسیا بالرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم واستذکاراً لمصیبة سید شباب أهل الجنة، فأی البکاءین یستحق أن یسمی بدعة وأی البکاءین یستحق أن یسخر منه؟.

وهذا المنع السیاسی أو المنع المزاجی للبکاء قد استمر سنیناً طویلة إلی أن بویع الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام فأعاد هذه السنة المنسیة کما أعاد غیرها من السنن، فبکی من علی منبر الکوفة وأمام کل


1- الریاض النظرة للمحب الطبری ص133.
2- نفس المصدر السابق.

ص: 108

الناس عدداً من أصحابه منهم مالک الأشتر رحمه الله تعالی حتی شجع الناس علی البکاء علیه فقال «وعلی مثل مالک فلتبک البواکی»(1)، وبکی أیضاً علی مصیبة الإمام الحسین علیه السلام وما یجری علیه مرات ومرات.

ولکن ما أن عاد الأمر من بعده علیه السلام إلی بنی أمیة حتی عاد التثقیف ضد البکاء والحزن مرة ثانیة، واشتد الأمر یوماً بعد یوم حتی قتل الحسین علیه السلام، فاشتدت المحنة بالباکین علی مصاب سید الشهداء علیه السلام، لان کل قطرة دمع کانت بمنزلة ثورة تفضح القتلة المجرمین، وکل أنین کان رمحاً یشهره الموالی فی وجه الکسرویة والفرعونیة والأمویة.

واستمرت الدول وتعاقبت الممالک فتارة عباسیة وأخری عثمانیة إلی یومنا هذا،فشخصیات الحکام تتغیر وسیاساتهم تتبدل ما عدا الحزن والبکاء علی سید الشهداء فقد ظل مرفوضاً عندهم بجملته وتفصیله، وزاد فی الطین بلة وزاد من المعاناة شدة تبنی بعض فرق التکفیر مسؤولیة الردع عن البکاء والحزن، وجمعت جهدها وطاقتها علی إماتة هذه السنة المقدسة، سعیاً منها إلی إطفاء هذا النور، ویأبی الله إلا أن یتم نوره ولو کره المشرکون.


1- تاریخ مدینة دمشق: ج 56، ص 391. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج6، ص77، تحقیق محمد أبو الفضل إبراهیم، الناشر دار إحیاء الکتب العربیة.

ص: 109

المصادر والمراجع

1. القرآن الکریم.

2. إرواء الغلیل / محمد ناصر الدین الألبانی / تحقیق زهیر الشاویش / طبع المکتب الإسلامی / الطبعة الثانیة 1405 -1985 م / الناشر المکتب الإسلامی - بیروت.

3. أسد الغابة / لابن الأثیر / الناشر: انتشارات اسماعیلیان - طهران.

4. أصول الکافی / للشیخ الکلینی: تحقیق علی اکبر غفاری / الناشر دار الکتب الإسلامیة - آخوندی / الطبعة الثالثة 1388ه_.

5. الأمالی / للشیخ الصدوق / تحقیق قسم الدراسات الإسلامیة، مؤسسة البعثة، قم / الناشر مؤسسة البعثة / الطبعة الأولی سنة 1417ه_.

6. أنساب الأشراف / أحمد بن یحیی بن جابر البلاذری / تحقیق الشیخ محمد باقر المحمودی / الطبعة الأولی سنة 1394 / نشر مؤسسة الأعلمی بیروت.

7. بحار الأنوار / محمد باقر المجلسی / المطبعة مؤسسة الوفاء / الطبعة الثانیة المصححة لسنة 1403 ه_ 1983م / الناشر مؤسسة الوفاء بیروت  - لبنان.

8. البحر الرائق شرح کنز الدقائق / ابن نجم المصری الحنفی / تحقیق الشیخ زکریا عمیرات / الطبعة الأولی 1418ه_ / المطبعة دار الکتب العلمیة - بیروت / الناشر محمد علی بیضون.

ص: 110

9. بدائع الصنائع / أبو بکر بن مسعود الکاشانی / الطبعة الأولی 1409ه_ / الناشر المکتبة الحبیبیة - باکستان.

10. البدایة والنهایة / لابن کثیر الدمشقی / تحقیق علی شیری / الطبعة الأولی سنة 1408 ه_ / المطبعة دار إحیاء التراث العربی / الناشر دار إحیاء التراث العربی - بیروت.

11. تاریخ الیعقوبی / أحمد بن أبی یعقوب / المطبعة دار صادر بیروت / الناشر مؤسسة ونشر فرهنک أهل البیت - قم.

12. تاریخ مدینة دمشق / لابن عساکر / تحقیق علی شیری / المطبعة دار الفکر / الناشر دار الفکر.

13. تذکرة الفقهاء / العلامة الحلی / الناشر المکتبة الرضویة لإحیاء الآثار الجعفریة.

14. ترجمة الإمام الحسین / لابن عساکر / تحقیق الشیخ محمد باقر المحمودی / المطبعة فروردین / الناشر مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة.

15. تصحیفات المحدثین / الحسن بن عبد الله بن سعید العسکری / تحقیق محمود احمد میرة / الطبعة الأولی سنة 1402ه_ / الناشر المطبعة العربیة الحدیثة.

16. تفسیر ابن کثیر / إسماعیل بن کثیر القرشی الدمشقی / المطبعة دار المعرفة / الناشر دار المعرفة - بیروت.

17. تفسیر القرطبی / محمد بن احمد الأنصاری القرطبی / المطبعة دار إحیاء التراث العربی / الناشر مؤسسة التاریخ العربی - بیروت.

18. تفسیر المیزان / السید محمد حسین الطباطبائی / الناشر مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

ص: 111

19. تنویر الحوالک / جلال الدین السیوطی الشافعی / تصحیح وضبط الشیخ محمد عبدالعزیز الخالدی / الناشر محمد علی بیضون / دار الکتب العلمیة، لبنان، بیروت.

20. تهذیب التهذیب / ابن حجر العسقلانی / الطبعة الأولی 1404ه_ / الناشر دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع.

21. التوحید / الشیخ الصدوق / تحقیق السید هاشم الحسینی الطهرانی / الناشر جماعة المدرسین قم.

22. جامع البیان عن تأویل آی القرآن / محمد بن جریر الطبری / ضبط وتوثیق وتخریج صدقی جمیل العطار / المطبعة دار الفکر بیروت.

23. الجوهر النقی / علاء الدین الماردینی / المطبعة دار الفکر.

24. حاشیة الدسوقی / شمس الدین محمد بن عرفة الدسوقی / الناشر دار إحیاء الکتب العربیة.

25. الدر المنثور / جلال الدین السیوطی / الطبعة الأولی 1365ه_/ المطبعة الفتح - جدة / الناشر دار المعرفة.

26. دفع شبه التشبیه بأکف التنزیه / عبد الرحمن بن الجوزی الحنبلی / تحقیق حسن السقاف / الطبعة الثالثة / المطبعة دار الإمام النووی - عمان، الأردن / الناشر دار الإمام النووی.

27. ذیل التاریخ بغداد / ابن الدبیشی / دراسة وتحقیق مصطفی عبد القادر عطا / الطبعة الأولی 1417 ه_ / طبع ونشر دار الکتب العلمیة - بیروت.

28. روضة الطالبین / یحیی بن شرف النووی / المطبعة دار الکتب العلمیة - بیروت / تحقیق الشیخ عاد ل أحمد عبد الموجود والشیخ علی محمد معوض.

29. السرائر / ابن إدریس الحلی / الطبعة الثانیة / تحقیق لجنة التحقیق / الناشر والمطبعة جامعة المدرسین قم 1410ه_.

ص: 112

30. سنن الترمذی / محمد بن عیسی الترمذی / تحقیق عبد الوهاب عبد اللطیف / مطبعة دار الفکر / الناشر دار الفکر - بیروت 1403 ه_.

31. سنن الدارمی / عبد الله بن بهرام الدارمی / الناشر مطبعة الاعتدال - دمشق.

32. سنن النسائی / أحمد بن شعیب النسائی / الطبعة الأولی 1348 ه_ - 1930م/ الناشر دار الفکر - بیروت.

33. سیر أعلام النبلاء / للذهبی / تحقیق شعیب الارنؤوط وحسین الأسد / الطبعة التاسعة 1413ه_ / الناشر مؤسسة الرسالة - بیروت.

34. السیرة النبویة / لابن کثیر / تحقیق مصطفی عبد الواحد / الطبعة الأولی 1396 ه_ / الناشر دار المعرفة - بیروت.

35. الشرح الکبیر / عبد الرحمن بن قدامة / المطبعة دار الکتاب العربی - بیروت.

36. شرح مسلم / النووی / الطبعة الثانیة 1407 ه_ / الناشر دار الکتاب العربی - بیروت.

37. شرح نهج البلاغة / ابن أبی الحدید / تحقیق محمد أبو الفضل إبراهیم / المطبعة منشورات مکتبة آیة الله المرعشی النجفی / الناشر دار إحیاء الکتب العربیة.

38. الصحاح / إسماعیل بن حماد الجوهری / تحقیق أحمد بن عبد الغفور عطار / الطبعة الرابعة 1407 ه_ / الناشر دار العلم للملایین - بیروت.

39. صحیح البخاری / محمد بن إسماعیل البخاری / المطبعة دار الفکر بیروت / بیروت / الطبعة: طبعة بالاوفست من طبعة دار الطباعة العامرة باستنبول / الناشر دار الفکر بیروت.

40. صحیح مسلم / مسلم بن الحجاج / الناشر دار الفکر - بیروت.

ص: 113

41. صراط النجاة / المیرزا التبریزی / الناشر دفتر نشر برکزیده.

42. الطبقات الکبری / ابن سعد / الناشر دار صادر بیروت.

43. عیون الحکم والمواعظ / علی بن محمد اللیثی / تحقیق حسین حسن البیرجندی / المطبعة دار الحدیث سنة 1376ه_ الأولی.

44. فتح الباری / لابن حجر العسقلانی / الطبعة الثانیة / المطبعة دار المعرفة للطباعة والنشر بیروت - لبنان.

45. فتح العزیز / عبد الکریم بن محمد الرافعی / المطبعة دار الفکر.

46. فتح القدیر / محمد بن علی بن محمد الشوکانی / المطبعة عالم الکتب / الناشر عالم الکتب.

47. کتاب الأم / للإمام الشافعی / المطبعة دار الفکر / الطبعة الأولی 1400 ه_ - 1980م.

48. کنز العمال / المتقی الهندی / تحقیق الشیخ بکری حیانی والشیخ صفوة السقا / المطبعة مؤسسة الرسالة - بیروت لبنان.

49. مئة قاعدة فقهیة / محمد کاظم المصطفوی / الناشر مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین قم.

50. المبسوط / للشیخ الطوسی / تحقیق محمد تقی الکشفی / مطبعة الحیدریة / طهران.

51. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / نور الدین الهیثمی / طبع دار الکتب العلمیة بیروت - لبنان.

52. مختصر المزنی / إسماعیل بن یحیی المزنی طباعة ونشر دار المعرفة.

53. مستدرک الوسائل / المحقق النوری الطبرسی / تحقیق مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث / الناشر مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث الطبعة الأولی لسنة 1408ه_.

ص: 114

54. مستدرک سفینة البحار / علی النمازی الشاهرودی / تحقیق الشیخ حسن بن علی النمازی / الناشر مؤسسة النشر الإسلامی لجماعة المدرسین.

55. مسند أبی یعلی / أحمد بن علی المثنی التمیمی / تحقیق حسین سلیم أسد / مطبعة دار المأمون للتراث.

56. مسند أحمد / الإمام أحمد بن حنبل / مطبعة دار صادر بیروت.

57. المصنف / عبدالرزاق الصنعانی / تحقیق حبیب الرحمن الأعظمی / الناشر المجلس العملی.

58. المعتبر / المحقق الحلی / تحقیق بإشراف الشیخ ناصر مکارم / الناشر مؤسسة سید الشهداء علیه السلام.

59. المعجم الکبیر / سلیمان بن أحمد الطبرانی / تحقیق حمدی عبد المجید السلفی / المطبعة دار إحیاء التراث العربی / الناشر مکتبة ابن تیمیة - القاهرة.

60. المغنی / ابن قدامة / المطبعة دار الکتاب العربی - بیروت.

61. مغنی المحتاج / محمد الشربینی الخطیب / المطبعة دار إحیاء التراث العربی سنة 1377 ه_ - 1958م.

62. من لا یحضره الفقیه / للشیخ الصدوق / صححه وعلق علیه علی أکبر الغفاری / الناشر جامعة المدرسین قم.

63. منتهی المطلب / العلامة الحلی / مقابلة حسن بیشنماز / الناشر حاج أحمد - تبریز - 1333.

64. مواهب الجلیل / الحطاب الرعینی / تحقیق الشیخ زکریا عمیران / الطبعة الأولی سنة 1416 / المطبعة دار الکتب العلمیة - بیروت.

ص: 115

المحتویات

مقدمة المؤلف

الحزن غریزة خلقها الله وأمر بتهذیبها

البکاء وآثاره الروحیة والبدنیة

أولاً: فوائد الحزن والبکاء المعنویة

ألف: إن الحزن والبکاء من مظاهر التقوی والخشوع

باء: الحزن والبکاء ینیران القلب ویرققانه

جیم: البکاء فی الدنیا نعیم فی الآخرة

دال: بالبکاء یستجاب الدعاء

هاء: البکاء استغفار لله وتهلیل وتسبیح ودعاء

ثانیاً: فوائد البکاء المادیة والبدنیة

ألف: فی الطفل إذا خرج من بطن أمه.

باء: فی البکاء راحة للقلب ورفع للحزن.

جیم: الدمع والبکاء یحفظان العین ویقتلان الجراثیم.

سیرة العقلاء تقر الحزن والبکاء

الحزن والبکاء شعار الأنبیاء

ص: 116

البکاء والحزن ظاهرة اجتماعیة فی الإسلام

الصحابة یبکون بل یجزعون.

البکاء والحزن فی المذاهب الإسلامیة

أولا: مذهب الإمامیة الإثنی عشریة

1. البکاء علی الحسین فی أحادیث أئمة أهل البیت علیهم السلام.

2. البکاء علی المیت فی فتاوی علماء الدین.

ثانیاً: البکاء علی الأموات فی المذهب الشافعی.

ثالثاً: البکاء علی المیت فی المذهب المالکی.

رابعاً: جواز البکاء فی المذهب الحنفی.

خامساً: جواز البکاء فی المذهب الحنبلی.

رد ادعاء تحریم البکاء علی موتی المسلمین.

محاکمة علمیة

الاحتمال الأول.

الاحتمال الثانی.

جواز البکاء والجزع علی الحسین علیه السلام

متی منع البکاء علی الحسین علیه السلام؟ ولماذا؟.

المصادر والمراجع.

ص: 117

إصدارات قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

تألیف

اسم الکتاب

ت

السید محمد مهدی الخرسان

السجود علی التربة الحسینیة

1

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الانکلیزیة

2

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الأردو

3

الشیخ علی الفتلاوی

النوران ___ الزهراء والحوراء علیهما السلام __ الطبعة الأولی

4

الشیخ علی الفتلاوی

هذه عقیدتی __ الطبعة الأولی

5

الشیخ علی الفتلاوی

الإمام الحسین علیه السلام فی وجدان الفرد العراقی

6

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان

7

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء

8

الشیخ وسام البلداوی

ابکِ فإنک علی حق

9

الشیخ وسام البلداوی

المجاب بردّ السلام

10

السید نبیل الحسنی

ثقافة العیدیة

11

ص: 118

السید عبد الله شبر

الأخلاق (تحقیق: شعبة التحقیق) جزآن

12

الشیخ جمیل الربیعی

الزیارة تعهد والتزام ودعاء فی مشاهد المطهرین

13

لبیب السعدی

من هو؟

14

السید نبیل الحسنی

الیحموم، أهو من خیل رسول الله أم خیل جبرائیل؟

15

الشیخ علی الفتلاوی

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام

16

السید نبیل الحسنی

أبو طالب علیه السلام ثالث من أسلم

17

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق)

18

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الصغری

19

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الکبری

20

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ج1

21

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ج2

22

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ج3

23

الشیخ وسام البلداوی

القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

24

السید محمد علی الحلو

الولایتان التکوینیة والتشریعیة عند الشیعة وأهل السنة

25

الشیخ حسن الشمری

قبس من نور الإمام الحسین علیه السلام

26

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة

27

السید نبیل الحسنی

موجز علم السیرة النبویة

28

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء والحوار والمناظرة

29

علاء محمدجواد الأعسم

التعریف بمهنة الفهرسة والتصنیف وفق النظام العالمی (LC)

30

السید نبیل الحسنی

الأنثروبولوجیا الاجتماعیة الثقافیة لمجتمع الکوفة عند الإمام الحسین علیه السلام

31

ص: 119

السید نبیل الحسنی

الشیعة والسیرة النبویة بین التدوین والاضطهاد (دراسة)

32

الدکتور عبدالکاظم الیاسری

الخطاب الحسینی فی معرکة الطف ___ دراسة لغویة وتحلیل

33

الشیخ وسام البلداوی

رسالتان فی الإمام المهدی

34

الشیخ وسام البلداوی

السفارة فی الغیبة الکبری

35

السید نبیل الحسنی

حرکة التاریخ وسننه عند علی وفاطمة علیهما السلام (دراسة)

36

السید نبیل الحسنی

دعاء الإمام الحسین علیه السلام فی یوم عاشوراء __ بین النظریة العلمیة والأثر الغیبی (دراسة) من جزءین

37

الشیخ علی الفتلاوی

النوران الزهراء والحوراء علیهما السلام ___ الطبعة الثانیة

38

شعبة التحقیق

زهیر بن القین

39

السید محمد علی الحلو

تفسیر الإمام الحسین علیه السلام

40

الأستاذ عباس الشیبانی

منهل الظمآن فی أحکام تلاوة القرآن

41

السید عبد الرضا الشهرستانی

السجود علی التربة الحسینیة

42

السید علی القصیر

حیاة حبیب بن مظاهر الأسدی

43

الشیخ علی الکورانی العاملی

الإمام الکاظم سید بغداد وحامیها وشفیعها

44

جمع وتحقیق: باسم الساعدی

السقیفة وفدک، تصنیف: أبی بکر الجوهری

45

نظم وشرح:  حسین النصار

موسوعة الألوف فی نظم تاریخ الطفوف __ ثلاثة أجزاء

46

السید محمدعلی الحلو

الظاهرة الحسینیة

47

السید عبدالکریم القزوینی

الوثائق الرسمیة لثورة الإمام الحسین علیه السلام

48

ص: 120

السید محمدعلی الحلو

الأصول التمهیدیة فی المعارف المهدویة

49

الباحثة الاجتماعیة کفاح الحداد

نساء الطفوف

50

الشیخ محمد السند

الشعائر الحسینیة بین الأصالة والتجدید

51

السید نبیل الحسنی

خدیجة بنت خویلد أُمّة جُمعت فی امرأة – 4 ج

52

الشیخ علی الفتلاوی

السبط الشهید – البُعد العقائدی والأخلاقی فی خطب الإمام الحسین علیه السلام

53

السید عبدالستار الجابری

تاریخ الشیعة السیاسی

54

السید مصطفی الخاتمی

إذا شئت النجاة فزر حسیناً

55

عبدالسادة محمد حداد

مقالات فی الإمام الحسین علیه السلام

56

الدکتور عدی علی الحجّار

الأسس المنهجیة فی تفسیر النص القرآنی

57

الشیخ وسام البلداوی

فضائل أهل البیت علیهم السلام بین تحریف المدونین وتناقض مناهج المحدثین

58

حسن المظفر

نصرة المظلوم

59

السید نبیل الحسنی

موجز السیرة النبویة __ الطبعة الثانیة __

60

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.